ولا يجوز عند مالك -رحمه اللَّه- لعالم ولا عامِّي أن يقلد في زوال الشَّمس، لأنه أمر يشاهد، ويصل كل واحد منهم إلى معرفته، بل العامي يقلِّد العالم في أن وقت الظهر هو إذا زالت الشمس، ويقلده في أوقات الصلوات أنها هي الأوقات التي وَقْتَهَا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن هذا أمر يعلمه أهل العلم بالتوقيف، وليس مما يشاهد، فإن كان في العامة مَنْ يخفى عليه علم الزوال، ولا يتمكن من إدراكه، جاز أن يقلَّد فيه كما يقلد في سائر ما لا مَعْرِفَةَ له به، واللَّه أعلم.
يحتمل مذهب مَالِكِ إذا استفتى العامي العالم في نازلة، فأفتاه، ثم نزلت مثل تلك النازلة بالعامّيّ مرة أخرى، فيحتمل أن يقال: إنه يستعمل تلك الفتوى، ولا يحتاج إلى أن يسأل ثانية؛ لأنه على الظاهر قد ساغ له، ولو كلف ذلك لشقّ عليه، وهذا إذا كانت المسألة بعينها، وما لا إشكال فيه على أحد، ويحتمل أن يقال: أو عليه أن يسأل، ولعله الأصح؛ لأنه يعمل باجتهاد ذلك الفَقِيه، ولعل اجتهاده في وقت ما أفتاه قد تغيَّر عما كان أفتاه به في ذلك الوقت، وهذا مثل من يجتهد بالقبلة فَيُصَلِّي، ثم يريد أن يصلّي صلاة أخرى، فإنه يجتهد ثانية، ولا يعمل على الاجتهاد الأول.
إذا حكى للعامي عن مالك -رحمه اللَّه- أو عَنْ غَيره من العلماء، وهو في غير عصره فتوى في مسألته، فإنه يجوز للعامي أن يقلد مالكًا بعد موته، وكذلك غيره من العلماء الذين اشتهرت أمانتهم؛ لأن العامي إذا جاز له أن يعمل على اجتهاد بعض أصحاب مالك، كان عمله على اجتهاد مالك أولى، فإن لم يكن أولى منه، فهو مثله، ويكون مَالِك كأنه باقٍ لأن قوله بمنزلته وهو حيّ.
وتصير منزلة مَالِك مع العامِّيّ كمنزلة مَالِكٍ مع الصحابي أنه يرجع إلى قوله وإن كان ميتًا، ويكون قول الصحابي أول من أهل عصر الإِمام مالكٍ.
قال القَاضِيُّ: إِذا وجد الرجل كتابًا مترجمًا مثل كتاب مُوطَّأ مالك أو كتاب الثورِيِّ أو الأوْزَاعِي أو الشَّافِعيّ، فهل يجوز له أن يقال في شيء يجده فيه، قال مَالِكِ، وقال الثَّوْرِيُّ، وقال الأَوْزَاعِيُّ، وقال الشَّافِعِيُّ.