وكان من الطبيعى لدى الهروى- وهو الذي ارتحل من أجل رؤية الآثار والمزارات- أن يتجه اهتمامه إلى رؤية آثار مصر ومزاراتها، فهذه مصر ماثلة أمامه بآثارها القديمة، تحكى أمجاد هذا البلد العريق، وتكشف عن دوره الخالد فى خدمة الحضارة الإنسانية، وإذا كان الرحالة المسلمون على عهد الهروى ومن بعده، قد باعد الزمان بينهم وبين هذه العصور السحيقة، فكانوا لا يعرفون حق المعرفة ما تمثله هذه الآثار وما عليها من كتابات ونقوش، ومن ثمّ كان عمل الهروى شاقّا وعسيرا فى كتاباته عن هذه المرحلة الهامة من تاريخ مصر: «وذلك بسبب افتقار الباحثين فى التاريخ القديم من حيث الخبرة بالكشوف واللغة الهير وغليفية، وهى أمور لم يصل العلم إلى كشف أسرارها إلا فى مطلع العصر الحديث، ولذا لم يكن عجبا أن يلتمس هذا الرحالة سبيله إلى هذه الحقبة الخالدة من تاريخ مصر عن طريق القصص التى رددتها شفاه المعاصرين له، والتى امتلأت بها مجالسهم الخاصة والعامة، ولا ينقص من قيمة هذه المحاولة أن القصص التى سردها الهروى حفلت بالخيال الواسع، أو لأنها ابتعدت عن منهج البحث الذي نعرفه فى وقتنا الحاضر، إذ يكفى هذا الرحالة فخرا أنه نجح فى إشارة غريزة حب الاستطلاع عند المصريين فى تاريخ وطنهم القديم، وتلمس الروابط القيمة بين حاضرهم إذ ذاك وماضيهم التليد» «1» .
ولم تكن الآثار وعجائب المبانى بمصر هى التى شدت انتباه الهروى فحسب، بل إن نيلها وجوها ونباتها وزهورها كان له فى نفس الهروى الشيء الكثير، وفى ذلك يقول: «فإن ديار مصر ونيلها من عجائب الدنيا، ورأيت بها فى آن واحد مجتمع وردا ثلاثة ألوان، وياسمينا، ونيلوفرا لونين، وآسا، ونسرينا وريحانا ونبقا وأترنجا وليمونا مركبا وموزا وجميزا وحصرما وعنبا وتينا أخضر ولوزا وفقوسا وبطيخا وباذنجان وباقلا أخضر وخسا والبقول والرمان وهيلونا وقصب السكر» .
كما يعجب بمبانى مصر ومقابرها الأثرية بالصعيد.
هذا وقد اعتمد ياقوت فى كتاباته إلى حد كبير على المواد التى تناولها الهروى فى كتاباته، ونقل الكثير منها نقلا حرفيّا.