الاسلوب (صفحة 165)

ونشير هنا إلى أن مظاهر هذه المطابقة، كما تتراءى في الألفاظ والعبارات، تظهر أيضًا في الوزن الشعري أو البحر العروضي الذي يختاره الشاعر، وفي القافية التي يؤثرها على غيرها1، وفي الصورة الخيالية التي يؤثر بها عواطفه، ليكون الأسلوب من روح المعنى وعلى مثاله من غير حاجة إلى ركوب الضرورات الشعرية2.

ومع ذلك فإن حاولت الظفر بأمثلة لذلك رأيتها عند أمثال عبد الحميد الكاتب، وزياد بن أبيه، والبحتري ممن يعدون طبيعين في التعبير، ولم يتشبثوا بصنعه، ولم يحبسوا نفوسهم عند تعمق في المعاني، ولا تكلف في الألفاظ.

فهذا البحتري يذكر قتال الأقارب معًا، وما يلابسه من عواطفه متباينة؛ إذ يصطدم الحب والبغض، والشفقة والقسوة، وتمتزج الدماء بالدموع، بأسلوب لا يصلح غيره لتصوير هذه الحالة التي كانت بين تغلب مع دقة الصنعة:

أسيت لأخوالي ربيعة إذ عفت ... مصايفها منها، وأقوت ربوعها3

بكرهي أن باتت خلاء ديارها ... ووحشًا مغانيها، وشتى جميعها4

وأمست تساقي الموت من بعدما غدت ... شروبًا تساقي الراح رفهًا شروعها5

إذ افترقوا عن وقعة جمعتهم ... لأخرى دماء ما يطل نجيعها6

طور بواسطة نورين ميديا © 2015