كل يحاول تحقير الآخر وتشويهه، وكل يريد أن يهدم أخاه ليرتفع على هامته، أو ليخلو له الجو ينطلق فيه، وقد حرصوا على هذه التقاليد التي ينكرها الإسلام ومارسوها كلهم حتى مزقوا أعراضهم، وقطعوا أرحامهم، وهدموا أنفسهم، وتركوا أسوأ مَثَل لمن بعدهم.
والعدل الذي يوزعه الإسلام بالقسطاس المستقيم على القريب والبعيد والعدو والصديق، هذا العدل قد ذهب من بلاد الإسلام، فنحن اليوم لا نعرف من العدل إلا اسمه، ولا نجد تحت هذا الاسم إلا المحاباة الكريهة، والمحسوبية العمياء، حتى ليريد كل حزب أن يستأثر أعضاؤه وأنصاره بكل ما في البلد من حقوق وخيرات ولو قل عدده وَضَؤُلَ شَأْنُهُ، فإذا ما زحزح عن الحكم جاء الحزب الذي يخلفه بأسوأ مما فعل سلفه، فإذا قيل له في ذلك احتج بالسوابق وهكذا يبررون الظلم بالظلم والمحاباة بالمحاباة.
ولقد فسدت أخلاقنا وضعف إيماننا بأنفسنا وانحدرنا إلى الحضيض، ورأينا كبراءنا وهم المثال الذي يحتذيه الشعب يتلونون كل يوم بلون ويلبسون لكل حالة لبوسها، فهم يومًا يؤيدون حكم الأقلية، وفي اليوم التالي ينادون بالحكومة الدستورية، وهم بعد ذلك منابذون لهؤلاء وهؤلاء، يجرون وراء فرد ليس له جماعة تؤيده ولا حزب يسنده، وهم يفعلون كل ذلك لا تَمَشِّيًا مع عقيدة يعتقدونها، ولا