وإن شئنا أن نعرف إلى أي حد بعدنا عن الإسلام فلقد رأينا فيما سبق كثيرًا من أحكام الإسلام فلننظر أين نحن من هذه الأحكام؟
إن الإسلام يجعل من المسلمين وحدة سياسية واحدة، ولقد كَوَّنَ المسلمون هذه الوحدة وحرصوا عليها من يوم أن تجمع المسلمون في المدينة، وظلت هذه الوحدة تتسع وتقوى حتى بلغت من المنعة والقوة ما لم تبلغه أية وحدة سياسة أخرى قبلها، ثم أخذ المسلمون بعد ذلك يستجيبون للأهواء والمطامع، ويفتنهم عن دينهم الحكم والسلطان، وتحركهم المنافع الشخصية والعصبيات القبلية، فانقضوا على هذه الوحدة المقدسة التي صنعها الله وأمر بالمحافظة عليها فمزقوها شر ممزق، وقطعوها إمارات وسلطنات وممالك وجمهوريات باسم الإسلام وباسم الاستقلال في ظاهر الأمر وباسم الاستغلال وباسم الاستعلاء وباسم العصبيات في حقيقته، وما فعلوا إلا أن مزقوا قوتهم ومنعتهم، وأضعفوا ملكهم وسلطانهم، هيأوا لأعداء الإسلام أن ينالوا من الإسلام، وأن يضعوا أيديهم على هذه الإمارات والسلطنات والممالك والجمهوريات باسم الاحتلال وباسم الحماية وباسم الانتداب وباسم التحالف وبغير ذلك من الأسماء التي يستظل بها الاستعباد ويستتر فيها الاستعمار، ويستعان بها على إذلال الشعوب وإخضاع الأمم.
ويوم كان للمسلمين دولة واحدة كانت دول الأرض