قال: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ». وكما حرم على نفسه أن يأخذ شيئًا من المال العام فإنه حرم على نفسه أن يبقى على شيء من ماله الخاص، فقد كانت يده تمتلئ بماله الخاص فينفقه كله في سبيل الله، وعلى الفقراء، وَلاَ يُبْقِي لنفسه إلا ما دون الكفاف.
وجاء عمر بن عبد العزيز خليفة على المسلمين فلم يرتزق من بيت مال المسلمين شيئًا ولم يرزأه حتى مات، بل لقد رد عمر كل ما كان يملكه قبل أن يكون خليفة إلى بيت مال المسلمين ولم يترك لنفسه إلا عينًا بالسويداء كان استنبطها بعطائه، فكان يأتيه من غلتها كل سنة مائة وخمسون دينارًا أو أقل أو أكثر وكان أكثر طعامه العدس، ولم يكن له إلا ثوب واحد، وبلغ من ورعه أنه كان يطفئ شمعة بيت المال إذا ما انتهى من عمل الدولة ويجلس في سراجه الخاص ورفض أن يتوضأ أو يغتسل بماء ساخن على حجر مطبخ بيت المال إلا بعد أن دفع ثمن الحطب كله، بالرغم من أن صاحب المطبخ أخبره أن الماء سخن على حجر ولو ترك لخمد حتى يصير رمادًا.
ونخرج مِمَّا سبق بأن الإمام إذا كان له مال يقوم بحاجته وحاجة عياله فليس له أن يأخذ من مال المسلمين إلا بمقدار ما يأخذ أي فرد آخر، فإذا كان ماله لا يكفي حاجته أخذ من بيت المال ما ينقصه وإن لم يكن له مال أصلاً أخذ من بيت المال ما يقوم بحاجته وحاجة عياله كرجل من أوسط الناس ليس بأغناهم ولا أفقرهم.