وإذا كان الإسلام قد ترك الكثير للشورى فقد تركه للناس مقيدًا بألا يخرج عن حدود الإسلام، ولا يفسد النظام الاجتماعي الذي أقامه، وما على هذا النظام الاجتماعي من شهوات البشر وأهوائهم إذا جرى كل شيء في المجرى الذي خطه الإسلام، وسار في الطريق المستقيم الذي رسمه، فإن الإسلام قد وضع أمام الشهوات والأهواء من السدود والقيود ما يفل حدها، ويضعف حدتها، ويحطم قوتها إذا تمسك الناس بإسلامهم ولم يفرطوا في أمر دينهم.

القَوَاعِدُ التِي تَقُومُ عَلَيْهَا الشُّورَى:

جاء الإسلام فقرر مبدأ الشورى في قوله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، وفي قوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]. ولم يكن تقرير الشورى تمشيًا مع حال الجماعة ولا نتيجة لرقيها وتقدمها، فقد جاء الإسلام والعرب في أدنى دركات الجهل، وفي غاية التأخر والانحطاط.

وإنما قرر الإسلام نظرية الشورى، لأنها قبل كل شيء من مستلزمات الشريعة الكاملة الدائمة المستعصية على التعديل والتبديل، ولأن تقرير النظرية يؤدي بذاته إلى رفع مستوى الجماعة وحملهم على التفكير في المسائل العامة والاهتمام بها، والنظر إلى مستقبل الأمة نظرة جدية، والاشتراك في الحكم بطريق غير مباشر، وتوجيههم إلى مراقبة الحكام ومحاسبتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015