ونرى أن أصح هذه الآراء الثلاثة هو الرأي الأول الذي يرى عزل الخليفة للفسق ولأي سبب آخر يوجب العزل ولو أدى العزل إلى فتنة، لأن هذا الذي سيؤدي إليه العزل ليس في حقيقته فتنة، وإنما حركة إصلاح وإعلاء لكلمة الحق وتمكين للإسلام وقطع لدابر الفساق، وما الفتنة إلا في إتيان الخليفة ما يوجب العزل والسكوت عليه، فتلك هي الفتنة التي إذا لم يوصد بابها تفتح منها كل يوم باب والتي تنتهي دون شك بالقضاء على الإسلام، وكل مسلم مطالب بإقامة الإسلام وحفظه.
ولقد دعا أصحاب الرأيين الأخيرين إلى ما اتجهوا إليه ما صح عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حثه على ترك قتال الأئمة والخلفاء، وعلى عدم مفارقة الجماعة، مثل قوله: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا، فَمَاتَ، فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» وقوله: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قَالُوا: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، أَلاَ مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» (*) ومثل حديث عبادة بن الصامت وقد أوردناه فيما سبق. وهذه الأحاديث يجب ألا تؤخذ على ظاهرها. وأن تفسر على هدى ما أوجبه القرآن والأحاديث الأخرى على كل مسلم من إقامة الإسلام والجهاد