وقول هؤلاء فيه ما يكفي للرد عليهم. فإذا كان الواجب بحسب قولهم هو إقامة الشريعة الإسلامية فإن أداء هذا الواجب يقتضي أن تختار الأمة شخصًا تكل إليه القيام بهذا الواجب، إذ لا يمكن عقلاً أن تتواطأ الأمة كلها على إقامة الشريعة، وإذا تواطأت على إقامتها فلا يمكن أن تتفق على طريقة التنفيذ، ولا يمكن أن تنفذ الشريعة وتقام إذا ترك لكل فرد أن يقيمها وينفذها بحسب ما يرى والأراء تختلف بطبيعة الحال، فوجب إذن أن تختار الأمة من تكل إليه إقامة الشريعة وإمضاء أحكامها، وإذا كان اختيار خليفة أو إمام أمرًا واجبًا لإقامة الشريعة وكانت إقامة الشريعة واجبة تعين أن يكون اختيار الإمام أو الخليفة أمرًا واجبًا أيضًا ما دام الواجب وهو إقامة الشريعة لا يتم إلا به وذلك طبقًا لقاعدة «مَا لاَ يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ» وهي قاعدة أساسها المنطق السليم.
على أن هؤلاء المخالفين إذا كانوا قد رأوا بصفة عامة أن الإمامة جائزة لا واجبة فإن منهم من أوجبها في بعض الأحوال وهؤلاء الموجبون لها في بعض الأحوال اختلفوا فمنهم من أوجبها عند الأمن وأجازها في الفتنة، ومنهم من أوجبها في الفتنة وأجازها في الأمن، وفي هذا التردد بين الوجوب والجواز وفي الخلاف على وقت الوجوب ووقت الجواز في ذلك كله ما يقطع بين هؤلاء المخالفين قد جانبوا الصواب.
المصدر الأول لفرضية الخلافة