النبوة والرسالة، وما يحاول عاقل أن يستبدل الأدنى بالذي هو خير، أو أن يضيف أدنى الألقاب إلى أعلاها وأسماها، فلقب النبوة والرسالة يحجب كل لقب غيرها، ومظهر النبوة والرسالة هو المظهر الوحيد الذي يلائم النبي والرسول سواء أكان حاكمًا أم غير حاكم مالكًا أو غير مالك.
وإذا كان الله - جَلَّ شَأْنُهُ - قد بين لنا أن بعض الأنبياء كانوا ملوكًا أو خلفاء كداوود الذي آتاه الله الملك والحكمة {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة: 251]. {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20]. وجعله خليفة في الأرض {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]. إذا كان الله - جَلَّ شَأْنُهُ - قد بَيَّنَ لنا هذا فإنما ذلك لبيان نعمه التي أنعم بها على عباده ورسله وليس معنى ذلك أن داود كان يلقب نفسه بالملك مع النبوة أو كان يترك لقب النبوة ليلقب نفسه بالخلافة أو الملك، وليس أدل على ذلك من أن داود وهو ملك وخليفة كان يأكل من عمل يده كما قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»، وكما ذكر لنا القرآن الكريم: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80]. وما أكل داود من عمل يده إلا لتمسكه بلقب النبوة ومظهرها ولأنه ألغى من حياته كل ما للملك والخلافة من ألقاب ومظاهر كما كان يفعل مُحَمَّدٌ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.