فغادر الوفد الإسلامي مكة المكرمة بعد أن ضاقت بهم شعاب مكة وجبالها بل الجزيرة كلها في طولها وعرضها فنزلوا بلد النجاشي فوجدوا الرجل كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام، وجدوه رجلا يتمتع بحصانة العقل والتثبيت في الأمر وحسن الجوار، رجلا لا تؤثر فيه الهدايا الثمينة ولا الكلام المزخرف ولو كان محدثه أدهى رجالات العرب المعروف بمعرفة الكلام وحسن الإلقاء، وسحر البيان كعمرو بن العاص.
الإخوة الأفاضل:
إن هجرة الصحابة هذه لهجرة فريدة من نوعها، إذ لم تكن انتقالا من دار الكفر إلى دار الإسلام كما يقول بعض من يعرف الهجرة بل لم تكن انتقالا من مكان مفضول إلى مكان أفضل بل كانت من مكة المكرمة إلى أرض الحبشة بأفريقيا، والحبشة لم تكن دار إسلام بل لم يكن قد دخلها الإسلام بعد. أجل لم يحصل في تلك الهجرة هذا المعنى ولا ذلك.
لأن هدف القوم كان هو الفرار بدينهم وعقيدتهم التي عذبوا من أجلها ليجدوا مكانا يعبدون الله فيه بحريتهم دون معارض. هذا هو ما تحقق لهم عند النجاشي- بحمد الله- قبل أن يتحقق لهم عند غيره.
والذي يظهر من حال القوم ومن الظروف التي خرجوا فيها ومن سياق قصتهم أنهم كانوا لاجئين وكان يهمهم أن يجدوا أرضا يظهرون فيها شعائر دينهم ويعبدون الله ربهم بعيدين عن الضغط والاضطهاد. هذا ما يظهر من قصة القوم. ولكن الله العليم الحكيم قد بارك في تلك الرحلة الفذة فصاروا حملة الدعوة الإسلامية إلى القارة البكر أفريقيا.