ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن الهلال: لم يبدو دقيقا، ثم يزيد، حتى يمتلئ نورا؛ أي يصير بدرا، ثم يعود دقيقا كما كان1 نزل القرآن منبها إلى الفائدة دون الإجابة عن الحقيقة العلمية مع أنها محطُّ السؤال قال عز من قائل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} 2، والله سبحانه وتعالى وهو خالق الكون؛ علويّه وسفليّه، ومدبره، والعليم بكل أسراره كان يعلم الحقيقة العلمية ولا ريب، وكان من الممكن اليسير أن يعلمها لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ ليجيب بها، أو لعله أعلمه بها، ولكن جاء القرآن على هذا الأسلوب الحكيم بالتنبيه إلى الفائدة والغاية من هذا رحمة بالناس، ورفقا بعقولهم فليست كل العقول كانت متهيئة في هذا الزمن البعيد لتقبل الحقيقة العلمية، وقد يكون لبعضهم فتنة، فمن ثم ترك ذلك إلى العقول؛ لتصل إلى الحقيقة بعلمها وجدها، وبحثها، والعالم في تقدمه مدين لهذا المنهج القرآني، فهو الذي فتح للبشرية آفاق العلم، والمعرفة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس على قدر عقولهم، واستعداداتهم، وله في ذلك السياسة الحكيمة، والتوجيهات الرشيدة، وفي الأثر الصحيح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". رواه مسلم في مقدمة الصحيح وروى البخاري في صحيحه تعليقا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: "حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟! ".
حديث منكر غريب:
ومهما يكن من شيء فقد فسَّر النبي صلى الله عليه للصحابة جلَّ القرآن، إن لم يكن كله، وأما الحديث الذي رواه ابن جرير الطبري بسنده عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيًا بعدد، علمهن إياه جبريل عليه السلام" فإنه حديث منكر غريب؛ لأن جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير بن العوام القرشي الزبيري قال فيه البخاري: لا يتابع في حديثه، وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث3.
وقد تكلم عليه الإمام ابن جرير بما حاصله: أن هذه الآيات مما لا يعلم إلا بالتوقيف.