عليهم أو خفى عليهم المراد منه، ولكن لم ينقل إلينا عنه صلى الله عليه وسلم كل ما يتعلق بآيات القرآن؛ ولعل السبب في هذا: أنهم كانوا لفهمهم الكثير من آيات بمقتضى فطرتهم اللغوية، وعلمهم بالشريعة، رأوا ألا حاجة لنقل كل ما يتعلق بتفسير القرآن؛ ظنا منهم أن من يأتي بعدهم فهو مثلهم، أو يدانيهم وأيضًا فاشتغالهم بالجهاد، والفتوحات، ونشر الإسلام لم يدع لهم وقتا للتفرغ للعلم والرواية.

السبب في أن ما نقل عن النبي في التفسير أقل مما نقل في الأحكام:

وقد كان من حكمة الله البالغة: أن ما نقل عن النبي في تفسير القرآن ولا سيما فيما يتعلق بنشأة الكون، وأسرار الوجود، والآيات الكونية والنفسية أقل مما نقل في الأحكام؛ وذلك لأن الأحكام الشرعية ثابتة دائمة، لا تتغير بتغير الأزمان والعصور، أما الآيات الكونية والآفاقية والنفسية فهي مجال للنظر، والتفكر، والتدبر، ويختلف تناولها والاستفادة منها بتغير العقول، والفهوم، وتتطور بتطور الأزمان والأجيال، وهي عرضة للتقدم العلمي، فمن ثم كان موقف القرآن منها موقف الداعي إلى التفكر والتدبر، والملاحظة والتجربة والاستفادة بما أودعه الله فيها من أسرار، وخصائص، وسنن؛ وبذلك فتح القرآن للعقول أبواب التقدم العلمي على مصراعيها، حتى بلغ هذا التقدم إلى ما ترى وقد صيغت هذه الآيات الكونية والنفسية صياغة في غاية المرونة1، فمن ثم صلحت لكل زمان ومكان، وكان ذلك سرًّا من أسرار إعجاز القرآن الكريم.

وكذلك كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآيات الكونية؛ الحث على البحث فيها، والتفكر، والتدبر، والتنبيه إلى فوائدها دون الإخبار عن حقائقها وأسبابها، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في التفصيل في الآيات الكونية -كالسماوات، وجوهرها ومم خُلقت ومقدار ما بين كل سماء والأخرى- إلا شيء قليل جدا، وأغلب ما ورد في ذلك لم يصح، ولم يثبت عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015