المتضمنة شرائع الأحكام، ودلائل التوحيد، وكل لفظ أفاد معنى واحدا جليا يعلم أنه مراد الله تعالى: فهذا التقسيم لا يلتبس تأويله؛ إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} 1، وأنه لا شريك له في الإلهية، وإن لم يعلم أن "لا" موضوعة في اللغة للنفي و"إلا" للإثبات، وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر، ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ونحوه، طلب إيجاب المأمور به، وإن لم يعلم أن صيغة "افعل" للوجوب فما كان من هذا القسم لا يعذر أحد يدعى الجهل بمعاني ألفاظه؛ لأنها معلومة لكل أحد بالضرورة. وأما ما لا يعلمه إلا الله تعالى: فهو ما يجري مجرى الغيوب، نحو الآي المتضمنة لقيام الساعة، وتفسير الروح، والحروف المقطعة في أوائل السور،2 وكل متشابه في القرآن عند أهل الحق، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره، ولا طريق إلى ذلك إلا بالتوقيف بنص من القرآن أو الحديث، أو إجماع الأمة، على تأويله.
وأما ما يعلمه العلماء ويرجع إلى اجتهادهم، فهو: الذي يغلب عليه إطلاق التأويل، وذلك استنباط الأحكام، وبيان المجمل، وتخصيص العموم، وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدًا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل دون مجرد الرأي؛ فإن كان أحد المعنيين أظهر، وجب الحمل عليه، إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي، وإن استويا والاستعمال فيهما حقيقة لكن في أحدهما حقيقة لغوية أو عرفية، وفي الآخر شرعية: فالحمل على الشرعية أولى3؛ إلا إن دل دليل على إرادة الحقيقة اللغوية، كما في قوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} 4 ولو كان في أحدهما حقيقة عرفية، وفي الآخر لغوية، فالحمل على العرفية أولى5، وإن اتفقا في ذلك أيضا: فإن تنافى اجتماعهما، ولم يمكن إرادتهما باللفظ