قال: خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ مِنْ مَكَّةَ، فَجَزِعَ أَهْلُ مَكَّةَ جَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يَطْعَمُ إِلا وَخَرَجَ مَعَهُ يُشَيِّعُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَعْلَى الْبَطْحَاءِ أَوْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَفَ وَوَقَفَ النَّاسُ حَوْلَهُ يَبْكُونَ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعَ النَّاسِ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ رَغْبَةً بِنَفْسِي عَنْ أَنْفُسِكُمْ، وَلا اخْتِيَارَ بَلَدٍ عَلَى بَلَدِكُمْ، وَلَكِنْ كَانَ هَذَا الأَمْرُ، فَخَرَجَتْ فِيهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا كَانُوا مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهَا وَلا مِنْ بِيُوتَاتِهَا فَأَصْبَحْنَا وَاللَّهِ لَوْ [1] أَنَّ جِبَالَ مَكَّةَ ذَهَبٌ فَأَنْفَقْنَاهَا [2] فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا أَدْرَكْنَا يَوْمًا مِنْ أَيَّامِهِمْ، واللَّهِ لَئِنْ فَاتُونَا بِهِ فِي الدُّنْيَا لَنَلْتَمِسَنَّ أَنْ نُشَارِكَهُمْ بِهِ فِي الآخِرَةِ فَاتَّقَى اللَّهَ امْرُؤٌ.

فتوجه إلى الشام واتبعه ثقلة فأصيب شهيدًا.

روى [3] أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ. فَقَالَ: امْلِكْ عَلَيْكَ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ. وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ مَنْ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:

فَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ، وَكُنْتُ رَجُلا قَلِيلَ الْكَلامِ، وَلَمْ أَفْطِنْ لَهُ، فَلَمَّا رمته فإذا [4] لا شيء أشدّ منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015