فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ [1] ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ [2] الْخَيْمَةِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ. قَالَ:
هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ! قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟
قَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلِبْهَا، فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا فَتَفَاجَّتْ [3] عَلَيْهِ، وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ، وَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ [4] الرَّهْطَ، فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى [5] عَلاهُ الْبَهَاءُ [6] ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا، وَشَرِبَ آخرهم، ثم أراضوا ثُمَّ حَلَبَ ثَانِيًا فِيهَا [7] بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى مَلأَ الإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا، وَبَايَعَهَا، وَارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَقَلَّمَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هِزَالا مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ، وَقَالَ:
مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ وَالشَّاةُ عَازِبٌ حِيَالٌ [8] وَلا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟
قَالَتْ: لا وَاللَّهِ، إِلا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ، مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ:
صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ. قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ [9] ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الْخُلُقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ، وَلَمْ تَزِرْ بِهِ صَعْلَةٌ [10] وَسِيمٌ قَسِيمٌ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ، وفي أشفاره عطف [11] ، وفي عنقه سطح، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ