وقيل: بل استخلف جريرًا، فولى معاوية حينئذ الكوفة زيادًا مَعَ البصرة، وجمع له العراقين، وتوفي الْمُغِيرَة بْن شعبة بالكوفة فِي داره بها فِي التاريخ المذكور.
ولما قتل عُثْمَان وبايع الناس عليًا دخل عَلَيْهِ الْمُغِيرَة بْن شعبة فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين، إن لك عندي نصيحة قَالَ: وما هي؟ قَالَ: إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بْن عبيد اللَّه عَلَى الكوفة، والزبير بْن العوام عَلَى البصرة، وابعث معاوية بعهده عَلَى الشام حَتَّى تلزمه طاعتك، فإذا استقرت لك الخلافة فأدرها كيف شئت برأيك. قَالَ علي: أما طلحة والزبير فسأرى رأيي فيهما، وأما معاوية فلا والله لا أراني اللَّه مستعملًا له، ولا مستعينًا به، مَا دام عَلَى حاله، ولكني أدعوه إِلَى الدخول فِيمَا دخل فيه المسلمون، فإن أبي حاكمته إِلَى اللَّه، وانصرف عنه الْمُغِيرَة مغضبًا لما لم يقبل عنه نصيحته. فلما كَانَ الغد أتاه فَقَالَ:
يَا أمير المؤمنين، نظرت فِيمَا قلت بالأمس وما جاوبتني به، فرأيت أنك وفقت للخير، فاطلب الحق. ثم خرج عنه، فلقيه الحسن وَهُوَ خارج، فَقَالَ لأبيه: مَا قَالَ لك هَذَا الأعور؟ قَالَ: أتاني أمس بكذا وأتاني اليوم بكذا: قَالَ: نصح لك والله أمس، وخدعك اليوم. فَقَالَ له علي: إن أقررت معاوية عَلَى مَا فِي يده كنت متخذ المضلين عضدا. وقال المغيرة في ذلك:
نصحت عليًا فِي ابْن هند نصيحة ... فرد فلا يسمع [1] له الدهر ثانية
وقلت له أرسل إليه بعهده ... عَلَى الشام حَتَّى يستقر معاوية
ويعلم أهل الشام أن قد ملكته ... فأم ابْن هند عند ذلك هاويه
فلم يقبل النصح الّذي جثته به ... وكانت له تلك النصيحة كافية