مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} وإنما عنى بهذا الرماة؛ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامهم في موضع، ثم قال: "احموا ظهورنا، وإن رأيتمونا نقتل؛ فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا؛ فلا تشركونا"، فلما غنم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأباحوا عسكر المشركين؛ انتفضت الرماة جميعاً، فدخلوا العسكر ينتهبون، وقد انتفضت صفوف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهم كذا -وشبك أصابع يديه- والتبسوا، فلما أخلّ الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها؛ دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فضرب بعضهم بعضاً والتبسوا، وقتل من المسلمين ناس كثير، وقد كان النصر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أول النهار؛ حتى قتل من أصحاب لواء المشركين تسعة أو سبعة، وجال المشركون (?) جولة نحو الجبل ولم يبلغوا، حيث يقول الناس: الغار إنما كانوا تحت المهراس، وصاح الشيطان: قتل محمد، فلم يشكوا به أنه حق، فما زلنا كذلك ما نشك أنه قد قتل؛ حتى طلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين السعدين نعرفه بكتفيه إذا مشى، قال: ففرحنا؛ حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا، فرقي نحونا، وهو يقول: "اشتد غضب الله على قوم رموا وجه رسول الله"، ويقول مرة أخرى: "اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا"، حتى انتهى إلينا، فمكث ساعة، فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل: اعل هبل، اعل هبل -يعني: إلهه-، أين ابن أبي كبشة؟! أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: ألا أجيبه يا رسول الله؟! قال: "بلى"، قال: فلما قال: اعل هبل؛ قال عمر: الله أعلى وأجل، قال أبو سفيان: يا ابن الخطاب! إنها قد أنعمت عينها، فعاد عنها -أو فعال عنها-، فقال: أين ابن أبي كبشة؟! أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أبو بكر، وها أنا ذا.

فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، الأيام دول، وإن الحرب سجال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015