الشريف من قراء الْقُرْآن وَمن أهل الْعلم وَالدّين والفقر والخمول وَلم يكن من بَيت الرياسة وَكَانَ لَهُ اطلَاع على تواريخ قطره وعوائد جيله وأخلاقهم وطبائعهم وَرَأى مَا وصل إِلَيْهِ ملك الْمغرب من الانحطاط والضعف وتيقن أَنه لَا يصعب عَلَيْهِ تنَاوله فأعمل فِي ذَلِك فكره ومكره وَصَارَ يحض النَّاس على الْقيام بِأُمُور دينهم والامتعاض لَهَا وَكَانَ قد بعث ثَلَاثَة من أَوْلَاده وهم عبد الْكَبِير وَأحمد وَمُحَمّد إِلَى الْحجاز بِقصد الْحَج وَكَانَت لَهُم فصاحة ورجاحة وَمَعْرِفَة بإدارة الْكَلَام فَظهر لَهُم ناموس فِي تِلْكَ الْبِلَاد وأحبهم النَّاس لَا سِيمَا أَحْمد وَمُحَمّد وَلما رجعا من مَكَّة أَقَامَا بفاس وَهِي يَوْمئِذٍ دَار الْملك وترتب أَحْمد فِي مجْلِس بالقرويين لتدريس الْعلم فاكتسب بذلك جاها وتقرب مُحَمَّد إِلَى السُّلْطَان حَتَّى صَار مؤدبا لأولاده وبقيا على ذَلِك مُدَّة وهما فِي ذَلِك كُله يتحببان إِلَى النَّاس ويسعيان فِي مَذَاهِب الشُّهْرَة والبرتغال فِي أثْنَاء ذَلِك ملح على الثغور واستلابها من أَهلهَا وَلم تكن تقوم للْمُسلمين مَعَه راية فَدَعَا ذَلِك الْأَخَوَيْنِ أَحْمد ومحمدا إِلَى أَن ندبا السُّلْطَان وَهُوَ أَبُو عبد الله البرتغالي إِلَى المناداة فِي النَّاس بِالْجِهَادِ إِظْهَارًا للنصح وهما يسران حسوا فِي ارتغاء وقصدهما تَفْرِقَة الْكَلِمَة على السُّلْطَان لَا غير فاغتر السُّلْطَان بنصحهما وَقَالَ لَهما لَا أحد أولى مِنْكُمَا بِالْقيامِ بِهَذِهِ الْوَظِيفَة فأجاباه إِلَى ذَلِك عَن توفر دَاعِيَة وَكَمَال رَغْبَة فأرسلهما يناديان ويستنفران النَّاس فِي نواحي الْمغرب إِلَى الْجِهَاد ويحضان النَّاس عَلَيْهِ ويخطبان بذلك فِي المحافل ويعظان وتتبعا الحواضر والبوادي وتقريا الْأَحْيَاء والمداشر والقرى إِلَى أَن وصلا إِلَى درعة حَيْثُ أَبوهُمَا وأخوهما عبد الْكَبِير فاجتمعا بهما وذاكراهما فِي أَمرهمَا وأنهما قد أشرفا على المُرَاد وكادا يلجان الْملك من بَابه لِأَن أهل تِلْكَ الْبِلَاد كَانُوا سَامِعين لَهُم من قبل الْيَوْم فَكيف بهم الْيَوْم فَحِينَئِذٍ أَخذ الْأَب وَأَوْلَاده فِي نشر معايب الدولة للعامة ويقررون ذَلِك بفصاحتهم ووجاهتهم وَمَا أوتوه من الْقبُول وعضدهم على ذَلِك شُيُوخ الْبَلَد وتبعهم النَّاس واجتمعوا عَلَيْهِم من كل جِهَة وَصَارَ حَالهم ينموا شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن استبدوا على السُّلْطَان وَلم يرجِعوا إِلَيْهِ بعد