وَهلك تَمِيم بن معنصر فِي جُمْلَتهمْ حَتَّى عجز النَّاس عَن مواراتهم فُرَادَى فاتخذوا لَهُم الأخاديد وقبروا جماعات وخلص من نجا من الْقَتْل مِنْهُم إِلَى تلمسان قَالَه ابْن خلدون
وَقَالَ فِي القرطاس دخل يُوسُف بن تاشفين مَدِينَة فاس الدخلة الثَّانِيَة الْكُبْرَى فَقتل بهَا من مغراوة وَبني يفرن فِي أزقتها وجوامعها مَا يزِيد على الْعشْرين ألف رجل وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وانقرضت دولة مغراوة من الْمغرب والبقاء لله وَحده
وَكَانَت مُدَّة دولتهم نَحْو مائَة سنة وَفِي دولتهم عظم شَأْن فاس وبنيت الأسوار على أرباضها وحصنت أَبْوَابهَا وَزيد فِي مسجديها الْقرَوِيين والأندلس زِيَادَة كَثِيرَة واتسع النَّاس فِي أَيَّام مغراوة فِي الْبناء فعظمت فاس واستبحر عمرانها وَكَثُرت خيراتها واتصل الْأَمْن والرخاء جلّ أيامهم إِلَى أَن ضعفت أَحْوَالهم وجاروا على رعيتهم بِأخذ أَمْوَالهم وَسَفك دِمَائِهِمْ والتعرض لحرمهم فَانْقَطَعت عَنْهُم الْموَاد وَكثر الْخَوْف فِي الْبِلَاد وغلت الأسعار وبلى الله عباده بِشَيْء من الْخَوْف والجوع وَنقص من الْأَمْوَال والأنفس والثمرات وَذَلِكَ فِي دولة الْفتُوح بن دوناس وَمن بعده فَكَانَ رُؤَسَاء مغراوة وَبني يفرن يلجون على النَّاس دُورهمْ فَيَأْخُذُونَ مَا يَجدونَ بهَا من الطَّعَام ويتعرضون لنسائهم وصبيانهم وَيَأْخُذُونَ أَمْوَال التُّجَّار فَلَا يقدر أحد أَن يصدهم عَن ذَلِك
وَكَانَ سفهاؤهم وعبيدهم يصعدون على قنة جبل الْعرض فَيَنْظُرُونَ إِلَى الدّور الَّتِي بِالْمَدِينَةِ فَإِذا رَأَوْا دَارا بهَا دُخان قصدوها وَأخذُوا مَا وجدوا بهَا من طَعَام أَو غَيره وَمن تعرض لَهُم فِي ذَلِك قَتَلُوهُ فَلَمَّا ارتكبوا هَذِه العظائم سلبهم الله ملكه وَغير مَا بهم من نعْمَة {الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} فَسلط عَلَيْهِم المرابطين فمحوا آثَارهم من الْمغرب ونفوهم عَنهُ بِالْكُلِّيَّةِ وطهروه من جَوْرهمْ
وَفِي أيامهم اتخذ أهل فاس المطامير فِي بُيُوتهم للطحن والطبخ لِئَلَّا