أَن تَقول قدرت أَن تفعل أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ وَالْحَاصِل أَن فطم الْعَامَّة عَمَّا اعتادوه من بعض الجهالات وصرفهم عَمَّا مرنوا عَلَيْهِ من بعض الضلالات فِي غَايَة الصعوبة وَلَا يَتَيَسَّر ذَلِك إِلَّا لمن هيأه الله لَهُ من نَبِي مُرْسل أَو ولي كَامِل أَو إِمَام عَادل وَإِذا كَانَ صرف الْعَامَّة عَن هَذِه الْمفْسدَة الَّتِي اعتادوها ونشؤوا عَلَيْهَا جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن يُؤَدِّي إِلَى الْهَرج وَالْخلاف جزما أَو ظنا فَالْوَاجِب هُوَ تَركهم على مَا هم عَلَيْهِ لِأَن تَغْيِير الْمُنكر لَهُ شُرُوط مِنْهَا أَن لَا يُؤَدِّي إِلَى مُنكر أعظم كَمَا هُوَ مُقَرر فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع
قُلْنَا كل مَا قَرّرته فِي هَذَا السُّؤَال حق لَا محيد عَنهُ وَلَكِن نَحن لَا نقُول إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ أيده الله يحمل الْعَامَّة على رفضها كرة ويلجئهم إِلَى تَركهَا بالمرة بل يسْلك مَعَهم فِي ذَلِك سَبِيل التدريج كَمَا سلكه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَحْرِيم الْخمر على الْعَرَب فَإِن الله تَعَالَى بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْعرب من أعشق الْأُمَم للخمر وأشدهم بهَا ولوعا وَأَكْثَرهم لَهَا حبا حَتَّى كَانَت شَقِيقَة روحهم ومغناطيس أنسهم قد اتَّخذُوا لَهَا الْمجَالِس الحفيلة واختاروا لَهَا الْقَيْنَات الجميلة وضربوا عَلَيْهَا بالمعازف والدفوف وحكموا لَهَا على غَيرهَا من مألوفاتها بغاية الشفوف حَتَّى نسبوا بهَا فِي أشعارهم وتوجوا بهَا بَنَات أفكارهم وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يُؤثر عَن أمة من محبَّة الْخمر ومدحها مَا أثر عَن الْعَرَب فَلذَلِك لما انصرفت عناية الشَّرْع الْكَرِيم إِلَى تَحْرِيمهَا كَانَ ذَلِك على سَبِيل التدريج كَمَا هُوَ مَعْلُوم فِي الْكتاب وَالسّنة حَتَّى تمّ مُرَاد الله وَرَسُوله من الْعَرَب فرفضوها بِالْكُلِّيَّةِ وسماها الشَّارِع أم الْخَبَائِث زِيَادَة فِي التنفير مِنْهَا وَمَا حرمت آلَات اللَّهْو إِلَّا من أجلهَا ومبالغة فِي تَحْرِيمهَا إِذْ هِيَ وَسِيلَة إِلَيْهَا كَمَا حَقَّقَهُ الْغَزالِيّ رَحمَه الله فِي كتاب السماع من الْإِحْيَاء وَفِي تَفْسِير الخازن بعد سرده كَيْفيَّة التَّحْرِيم مَا نَصه وَالْحكمَة فِي وُقُوع التَّحْرِيم على هَذَا التَّرْتِيب أَن الله تَعَالَى علم أَن الْقَوْم كَانُوا قد ألفوا شرب الْخمر وَكَانَ انتفاعهم بذلك كثيرا فَعلم أَنه لَو مَنعهم من الْخمر دفْعَة وَاحِدَة لشق عَلَيْهِم فَلَا جرم اسْتعْمل هَذَا التدريج وَهَذَا الرِّفْق قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ حرمت الْخمر وَلم يكن للْعَرَب يَوْمئِذٍ عَيْش أعجب مِنْهَا وَمَا