لما دخل عبد الله بن الشَّيْخ مراكش وَاسْتولى عَلَيْهَا فعل فِيهَا أعظم من فعلته الأولى وهربت شرذمة من أهل مراكش إِلَى جبل جيليز وَاجْتمعَ هُنَالك مِنْهُم عِصَابَة من أهل النجدة وَالْحمية وَاتفقَ رَأْيهمْ على أَن يقدموا للخلافة مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ وَكَانَ رجلا خيرا دينا صينا وقورا فَبَايعهُ أهل مراكش هُنَالك والتفوا عَلَيْهِ فَخرج عبد الله بن الشَّيْخ لقِتَال من بجبل جيليز وَالْقَبْض على أَمِيرهمْ الْمَذْكُور وَلما التقى الْجَمْعَانِ انهزم عبد الله وَولى أَصْحَابه الأدبار فَخرج من مراكش مهزوما سادس شَوَّال سنة سِتّ عشرَة وَألف وَترك محلته وأنفاضه وعدته وَجل الْجَيْش وَأخذ على طَرِيق تامسنا وامتحن أَصْحَابه فِي ذهابهم حَتَّى كَانَ مد الْقَمْح عِنْدهم بِثَلَاثِينَ أُوقِيَّة والخبزة من نصف رَطْل بِربع مِثْقَال وَلم يزل أَصْحَابه ينتهبون مَا مروا عَلَيْهِ من الْخيام والعمود ويسبون الْبَنَات إِلَى أَن وصلوا إِلَى فاس فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة
وَأما مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن فَإِنَّهُ لما دخل مراكش وَاسْتولى عَلَيْهَا صفح عَن الَّذين تخلفوا بهَا من أهل الغرب من جَيش عبد الله بن الشَّيْخ وَأَعْطَاهُمْ الرَّاتِب فَلم يعجب ذَلِك أهل مراكش ونقموا عَلَيْهِ إبقاءه عَلَيْهِم وَكَانُوا نَحْو الْألف وَنصف فَكَتَبُوا سرا إِلَى السُّلْطَان زَيْدَانَ بِالْجَبَلِ فَأَتَاهُم وخيم نازلا بِظَاهِر الْبَلَد فَخرج مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن إِلَى لِقَائِه فَانْهَزَمَ ابْن عبد الْمُؤمن وَدخل السُّلْطَان زَيْدَانَ مراكش وَاسْتولى عَلَيْهَا وصفح هُوَ أَيْضا عَن الفئة المتخلفة عَن عبد الله بن الشَّيْخ وَذكر فِي شرح زهرَة الشماريخ إِن هَذَا الثائر بجبل جيليز اسْمه أَبُو حسون من أَوْلَاد السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج وَالله أعلم وَلَعَلَّ هَذَا الصَّوَاب بِدَلِيل مَا يَأْتِي فِي رِسَالَة زَيْدَانَ إِن شَاءَ الله