لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]، أي خشية أن تحبط أعمالكم، فدلت علي أن العمل لم يحبط بما تقدم من سوء الأدب؛ ولكن يخاف إذا رفعوا أصواتهم أن يجرهم ذلك إلى كفر يحبط العمل وهم لا يشعرون، فالمحبط ما يخاف حصوله لا ما وقع منهم، وهذا كما يقال المعاصي بريد الكفر، فإن رفع الصوت عليه والجهر له كجهر بعضكم لبعض قد يفضي بصاحبه إلي الاستعلاء عليه ونحو ذلك مما هو كفر.
ثم يقال: ما نحن فيه ليس من هذا الباب، فإن الرافع قد فعل ما يعلم أنه مذموم في حق الرسول، فإن رفع الإنسان صوته علي غيره يعلم كل أحد أنه قلة احترام له، وليس أنه كمن تكلم بعبارة لا يعلم بها بأساً؛ قصد بها معنًى صحيحاً، ألا ترى أن الصحابة لما كانوا يقولون راعنا؛ وهذه الكلمة قد يقصد بها معنًى فاسداً (?)، وهم لا [يقصدون] (?) ذلك لكن كان ذريعة لغيرهم نهوا (?) عنها، ولم يقل: إنكم كفرتم، ولا قيل فيها: أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون؛ بل فرق الله -تعالى- بين قولهم راعنا وبين رفع الصوت عليه، وسوء العبارة مع صحة القصد من باب قولهم: راعنا، وهذه الآية حجة علي بطلان ما فهمه من كلام الإمام وغيره.
ومن الحكايات [المعروفة] (?) عن الشافعي أن ربيع (?) قال له في مرضه: يا أبا عبد الله قوى الله ضعفك، فقال: يا أبا محمد لو قوي ضعفي لهلكت، فقال له الربيع: لم أقصد إلا خيراً، فقال: لو شتمتني صريحاً لعلمت أنك لم تقصد إلا الخير، فقال الربيع: كيف أقول؟ قال: قل: برأ الله ضعفك، فإن الشافعي نظر إلى حقيقة اللفظ وهو نفس الضعف، والربيع قصد