جاءك كتابي هذا فاستعن بالله وقاتلهم" (?)، فأخبره أنّه لا يمكنه أن يعاونه في هذه القضية، وأمره أن يستعين بالله، وإن كان يمكنه أن يعينه.
الوجه الثّالث (?): أنّه لو أريد هذا المعنى لقيل ما يدلُّ على هذا المعنى مثل أن يقال: توكلوا عليّ وأنا أغيثكم (?)، ولم يقل إنّه لا يستغاث بي، وإنَّما يستغاث بالله، فإنّه قد نفى وأثبت بكلام مطلق، وليس في الباب ما يدلُّ على ما ذكر.
ويظهر هذا بالوجه الرّابع: وهو أن أبا بكر وغيره من الصّحابة أعلم بالله من أن يظنوا أنّه يستقل بالإبداع والاختراع، فمن حمل الحديث على هذا فقد نسب الصديق إلى غاية الضلال، أين من ينزه الصديق من الخطأ وينسبه إلى هذا؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - نفى وأثبت؛ وإن كان ما نفاه لم يخطر بقلوبهم فأي حاجة إلى نفيه؟ وإن قيل: إنهم ظنوه فذلك بهتان عظيم، بخلاف ظنهم أنّه يقدر على دفع المكروه، فإن هذا الظن قد كان يقع منهم كثيرًا، أو قد يكون الأمر كما يظنه الظّان، فليس فيه قدح لا في الصّحابة ولا في الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف من يقول: لا تعتقدوا فيّ أني مثل الله؛ أقدر وأستقل بالتأثير كما يفعل الله، فإن هذا المعنى لا يظنه به من هو دون الصّحابة، فكيف يظنونه هم، ومن أراد أن يأمر غيره بالتوكل مع السبب المأمور به، لا ينهاه عن السبب، بل يقول له كما قال: "اعقلها وتوكل" (?)، وكَما قال النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح "احرص