عَلَى ذلِكَ. وَيُقَرِّرُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ يَعقُوبَ سَأَلَ بَنِيهِ عَمَّا يَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ إِلهَهُ وَإِلهَ آبَائِهِ، الوَاحِدَ الأَحَدَ، الذِي لا شَرِيكَ لَهُ، وَسَيُسَلِّمُونَ أَمْرَهُمْ إِليهِ.
(هذِهِ الآيَةُ تُرشِدُ إلى أَنَّ دِينَ اللهِ وَاحدٌ فِي كُلِّ أُمَّةٍ، وَعَلَى لِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ، وَرُوحُهُ التَّوحِيدُ وَالاسْتِسْلاَمُ للهِ، وَالإِذْعَانُ لِهَدْيِ الأَنْبِيَاءِ).
فَتِلْكَ الأَجْيَالُ السَّالِفَةِ كَانُوا أَمَّةً مُؤْمِنَةً، فَلا يَنْفَعُكُمُ الانتِسَابُ إِلَيهِمْ، إَذَا لَمْ تَفْعَلوا أَنْتُم خَيْراً تَنْتَفِعُونَ بِهِ، فَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ عَلَى أَنْ لا يُجْزَى أَحَدٌ إِلاَّ بِكَسْبِهِ وَعَمَلِهِ، وَلا يُسْأَلُ أَحَدٌ إِلا عَنْ كَسْبِهِ وَعَمَلِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يُحَاسَبُ عَلَى عَمَلِهِ، وَلاَ تُسْأَلُونَ أَنْتُمْ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ هُمْ. (?)
" هذه هي ملة إبراهيم .. الإسلام الخالص الصريح .. لا يرغب عنها وينصرف إلا ظالم لنفسه، سفيه عليها، مستهتر بها .. إبراهيم الذي اصطفاه ربه في الدنيا إماما، وشهد له في الآخرة بإصلاح .. اصطفاه «إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ» .. فلم يتلكأ، ولم يرتب، ولم ينحرف، واستجاب فور تلقي الأمر.
«قالَ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ» .. هذه هي ملة إبراهيم .. الإسلام الخالص الصريح .. ولم يكتف إبراهيم بنفسه إنما تركها في عقبه، وجعلها وصيته في ذريته، ووصى بها إبراهيم بنيه كما وصى بها يعقوب بنيه. ويعقوب هو إسرائيل الذي ينتسبون إليه، ثم لا يلبون وصيته، ووصية جده وجدهم إبراهيم! ولقد ذكر كل من إبراهيم ويعقوب بنيه بنعمة اللّه عليهم في اختياره الدين لهم: «يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ» ..
فهو من اختيار اللّه. فلا اختيار لهم بعده ولا اتجاه. وأقل ما توجبه رعاية اللّه لهم، وفضل اللّه عليهم، هو الشكر على نعمة اختياره واصطفائه، والحرص على ما اختاره لهم، والاجتهاد في ألا يتركوا هذه الأرض إلا وهذه الأمانة محفوظة فيهم: «فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» ..
وها هي ذي الفرصة سانحة، فقد جاءهم الرسول الذي يدعوهم إلى الإسلام، وهو ثمرة الدعوة التي دعاها أبوهم إبراهيم .. تلك كانت وصية إبراهيم لبنيه ووصية يعقوب لبنيه ..