المبحث الثاني عشر
وجوب التواصي بالموت على الإسلام
قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) [البقرة/130 - 134]
لَقَدْ تَجَرَّدَ إِبراهِيمُ فِي عِبَادَةِ اللهِ فَلَمْ يَدْعُ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَلَمْ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ حَتَّى تَبَرَّأَ مِنْ أَبِيهِ، وَخَالفَ قَوْمَهُ. فَمَنْ يَتْرُكَ طَرِيقَ إِبْراهيمَ هذا وَمَسْلَكَهُ وَمِلَّتَهُ، وَيَتَّبِعْ طَرِيقَ الغَيِّ وَالضَّلاَلِ، فَهُوَ سَفِيهٌ، وَلاَ يَرْتَكِبُ الضَّلاَلَةَ إِلاَّ السَّفيهُ.
وَلَقَدِ اصْطَفَى اللهُ إِبراهِيمَ وَاخْتَارَهُ في الدُّنيَا، وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الصَّالِحِينَ المُقَرَّبينَ عِنْدَ اللهِ.
أَمَرَ اللهُ إِبراهيمَ بِالإِخلاَصِ لَهُ، وَالاسْتِسْلامِ لِحُكْمِهِ، فَامْتَثَلَ لأَمْرِ رَبِّهِ، وَقَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ جَمِيعاً. وَكَانَتْ كَلِمَةُ الإِسْلامِ للهِ مُحَبَّبَةً إِلَى نَفْسِ إِبْراهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فَأَوصَوْا بِهَا أَبْنَاءَهُمْ حِينَ حَضَرَتْهُمُ الوَفَاةُ وَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَأَحْسِنُوا فِي حَيَاتِكُمْ، وَالْزَمُوا ذلِكَ لِيَرزُقَكُمُ اللهُ الوَفَاةَ عَلَيهِ، لأنَّ المَرْءَ يَمُوتُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ، وَيُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ.
يَقُولُ تَعَالَى إِنَّ اليَهُودَ الذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُجَادِلُونَهُ، وَيَجْحَدُونَ نُبُوَّتَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إِنَّما يَسِيرُونَ عَلَى الدِّينِ الذِي مَاتَ عَلَيهِ يَعْقُوبَ، مَعْ أَنَّهُم لَمْ يَكُونُوا حَاضِرِينَ (شُهَدَاءَ) حِينَمَا حَانَتْ مَنِيَّةُ يَعْقُوبُ، وَجَاءَهُ المَوْتُ، وَلَكِنَّ اللهَ كَانَ شَاهِداً