المبحثُ التاسع والثلاثون
باب صفة الدفن
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا».أخرجه أبو داود (?)
وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود: (وَالشَّقّ): بِفَتْحِ الشِّين أَنْ يَحْفِر وَسَط أَرْض الْقَبْر وَيَبْنِي حَافَّتَاهُ بِلَبِنٍ أَوْ غَيْره وَيُوضَع الْمَيِّت بَيْنهمَا وَيُسْقَف عَلَيْهِ (لِغَيْرِنَا): مِنْ الْأُمَم السَّابِقَة فَاللَّحْد مِنْ خُصُوصِيَّات هَذِهِ الْأُمَّة. وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَفْضَلِيَّة اللَّحْد، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْي عَنْ الشَّقّ. قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ. أَنَّ اللَّحْد آثَر لَنَا وَالشَّقّ لَهُمْ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى اِخْتِيَار اللَّحْد، فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ الشَّقّ لَا الْمَنْع مِنْهُ لَكِنَّ مَحَلّ أَفْضَلِيَّة اللَّحْد فِي الْأَرْض الصُّلْبَة وَإِلَّا فَالشَّقّ أَفْضَل. قَالَ اِبْن تَيْمِيَّةَ، وَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى مُخَالَفَتنَا لِأَهْلِ الْكِتَاب فِي كُلّ مَا هُوَ شِعَارهمْ
عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ شُكِىَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْجِرَاحَاتُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ «احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا». فَمَاتَ أَبِى فَقُدِّمَ بَيْنَ يَدَىْ رَجُلَيْنِ أخرجه الترمذي (?)
وفي تحفة الأحوذي: (وَأَحْسِنُوا) أَيْ أَحْسِنُوا إِلَى الْمَيِّتِ فِي الدَّفْنِ، قَالَهُ فِي الْأَزْهَارِ. وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ تَبَعًا لِلْمَظْهَرِ أَيْ اِجْعَلُوا الْقَبْرَ حَسَنًا بِتَسْوِيَةِ قَعْرِهِ اِرْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا وَتَنْقِيَتِهِ مِنْ التُّرَابِ وَالْقَذَاةِ وَغَيْرِهِمَا. وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: وَأَعْمِقُوا، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: أَعْمَقَ الْبِئْرَ جَعَلَهَا عَمِيقَةً، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ إِعْمَاقِ الْقَبْرِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْإِعْمَاقِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَامَةً. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِلَى السُّرَّةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ لِإِعْمَاقِهِ. وَأَخْرَجَ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: أَعْمِقُوا الْقَبْرَ إِلَى قَدْرِ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ قَالَهُ فِي النَّيْلِ