المبحثُ الواحد والثلاثون
عذاب القبر ونعيمه
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ لَهَا أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ «نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ». قَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها - فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدُ صَلَّى صَلاَةً إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. رواه البخاري (?)
قال النووي رحمه الله: فِيهِ إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر وَفِتْنَته، وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ.
وفي فتح الباري لابن حجر: وَأَصْرَح مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْط الْبُخَارِيّ عَنْ سَعِيد بْن عَمْرو بْن سَعِيد الْأُمَوِيّ عَنْ عَائِشَة " أَنَّ يَهُودِيَّة كَانَتْ تَخْدُمهَا، فَلَا تَصْنَع عَائِشَة إِلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوف إِلَّا قَالَتْ لَهَا الْيَهُودِيَّة: وَقَاك اللَّه عَذَاب الْقَبْر. قَالَتْ: فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه هَلْ لِلْقَبْرِ عَذَاب؟ قَالَ: كَذَبَتْ يَهُود، لَا عَذَاب دُون يَوْم الْقِيَامَة. ثُمَّ مَكَثَ بَعْد ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث، فَخَرَجَ ذَات يَوْم نِصْف النَّهَار وَهُوَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْته: أَيّهَا النَّاس اِسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر، فَإِنَّ عَذَاب الْقَبْر حَقّ " وَفِي هَذَا كُلّه أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا عَلِمَ بِحُكْمِ عَذَاب الْقَبْر إِذْ هُوَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخِر الْأَمْر كَمَا تَقَدَّمَ تَارِيخ صَلَاة الْكُسُوف فِي مَوْضِعه. وَقَدْ اِسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْآيَة الْمُتَقَدِّمَة مَكِّيَّة وَهِيَ قَوْله تَعَالَى (يُثَبِّت اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا) وَكَذَلِكَ الْآيَة الْأُخْرَى الْمُتَقَدِّمَة وَهِيَ قَوْله تَعَالَى (النَّار يَعْرِضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) وَالْجَوَاب أَنَّ عَذَاب الْقَبْر إِنَّمَا يُؤْخَذ مِنَ الْأُولَى بِطَرِيقِ الْمَفْهُوم مِنْ حَقّ مَنْ لَمْ يَتَّصِف بِالْإِيمَانِ، وَكَذَلِكَ بِالْمَنْطُوقِ فِي الْأُخْرَى فِي حَقّ آل فِرْعَوْن وَإِنِ اِلْتَحَقَ بِهِمْ مَنْ كَانَ لَهُ حُكْمهمْ مِنَ الْكُفَّار، فَاَلَّذِي أَنْكَرَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا هُوَ وُقُوع عَذَاب الْقَبْر عَلَى الْمُوَحِّدِينَ، ثُمَّ أُعْلِمَ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَقَع عَلَى مَنْ يَشَاء اللَّه مِنْهُمْ