بِالتَّوْبَةِ. وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ السَّاحِرَةَ سَأَلَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ - هَل لَهَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَمَا أَفْتَاهَا أَحَدٌ (?)، وَلأَِنَّهُ لاَ طَرِيقَ لَنَا إِلَى إِخْلاَصِهِ فِي تَوْبَتِهِ لأَِنَّهُ يُضْمِرُ السِّحْرَ وَلاَ يَجْهَرُ بِهِ، فَيَكُونُ إِظْهَارُ الإِْسْلاَمِ وَالتَّوْبَةِ خَوْفًا مِنَ الْقَتْل مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ (?).

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ عَلَّمَ أَوْ تَعَلَّمَ السِّحْرَ وَاعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ كَفَرَ؛ لأَِنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ تَعَالَى فِي خَبَرِهِ وَيُقْتَل كَمَا يُقْتَل الْمُرْتَدُّ (?).

فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ تُقْبَل تَوْبَةُ السَّاحِرِ كَمَا تُقْبَل تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ. وَهَذَا مَا قَرَّرَهُ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَهُمْ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ السَّاحِرَ إِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْمُشْرِكُ يُسْتَتَابُ وَمَعْرِفَةُ السِّحْرِ لاَ تَمْنَعُ قَبُول تَوْبَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِل تَوْبَةَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ (?).

وَفِي الْجُمْلَةِ، فَالْخِلاَفُ فِي قَبُول تَوْبَةِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ، إِنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ تَرْكِ قَتْلِهِمْ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الإِْسْلاَمِ فِي حَقِّهِمْ، وَأَمَّا قَبُول اللَّهِ لَهَا فِي الْبَاطِنِ وَغُفْرَانُهُ لِمَنْ تَابَ وَأَقْلَعَ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسُدَّ بَابَ التَّوْبَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ (?)، وَقَدْ قَال فِي الْمُنَافِقِينَ: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (146) سورة النساء.

ـــــــــــــــ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015