ج - تَوْبَةُ السَّاحِرِ:
السِّحْرُ عِلْمٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ حُصُول مَلَكَةٍ نَفْسَانِيَّةٍ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى أَفْعَالٍ غَرِيبَةٍ بِأَسْبَابٍ خَفِيَّةٍ.
وَعَرَّفَهُ ابْنُ خَلْدُونٍ بِأَنَّهُ عِلْمٌ بِكَيْفِيَّةِ اسْتِعْدَادَاتٍ تَقْتَدِرُ النُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ بِهَا عَلَى التَّأْثِيرَاتِ فِي عَالَمِ الْعَنَاصِرِ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَهُ وَتَعَلُّمَهُ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} (102) سورة البقرة، فَذَمَّهُمْ عَلَى تَعْلِيمِهِ؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَدَّهُ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ لاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ السَّاحِرِ فَيَجِبُ قَتْلُهُ وَلاَ يُسْتَتَابُ، وَذَلِكَ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كُفْرِهِ مُطْلَقًا عَدَمُ قَتْلِهِ؛ لأَِنَّ قَتْلَهُ بِسَبَبِ سَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، فَإِذَا ثَبَتَ ضَرَرُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مُكَفِّرٍ يُقْتَل دَفْعًا لِشَرِّهِ كَالْخَنَّاقِ وَقَطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ.
وَحَدُّ السَّاحِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْقَتْل وَيَكْفُرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ سَوَاءٌ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ إِبَاحَتَهُ
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ لاَ يَكْفُرُ (?).
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا حُكِمَ بِكُفْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُجَاهِرًا بِهِ يُقْتَل إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ فَتُقْبَل تَوْبَتُهُ، وَإِنْ كَانَ يُخْفِيهِ فَهُوَ كَالزِّنْدِيقِ لاَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ (?).
وَالدَّلِيل عَلَى عَدَمِ قَبُول تَوْبَةِ السَّاحِرِ حَدِيثُ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ (?)، فَسَمَّاهُ حَدًّا وَالْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ لاَ يَسْقُطُ