فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَقَدْ بَشَّرَ بِكَ ابْنُ الْبَتُولِ، وَطُولُ التَّحِيَّةِ لَكَ وَالشُّكْرُ لِمَنْ أَكْرَمَكَ وَأَرْسَلَكَ، لَا أَثَرَ بَعْدَ عَيْنٍ، وَلَا شَكَّ بَعْدَ يَقِينٍ. مُدَّ يَدَكَ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَآمَنَ الْجَارُودُ، وَآمَنَ مِنْ قَوْمِهِ كُلُّ سَيِّدٍ، وَسُرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهِمْ سُرُورًا، وَابْتَهَجَ حُبُورًا، وَقَالَ: " يَا جَارُودُ، هَلْ فِي جَمَاعَةِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مَنْ يَعْرِفُ لَنْا قُسًّا؟ قَالَ: كُلُّنَا نَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا مِنْ بَيْنِ قَوْمِي كُنْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ وَأَطْلُبُ خَبَرَهُ كَانَ قُسٌّ سِبْطًا مِنْ أَسْبَاطِ الْعَرَبِ، صَحِيحَ النَّسَبِ، فَصِيحًا إِذَا خَطَبَ، ذَا شَيْبَةٍ حَسَنَةٍ عُمِّرَ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ، يَتَقَفَّرُ الْقِفَارَ، لَا تُكِنُّهُ دَارٌ، وَلَا يُقِرُّهُ قَرَارٌ، يَتَحَسَّى فِي تَقَفُّرِهِ بَيْضَ النَّعَامِ، وَيَأْنَسُ بِالْوَحْشِ وَالْهَوَامِّ، يَلْبَسُ الْمُسُوحَ وَيَتْبَعُ السُّيَّاحَ عَلَى مِنْهَاجِ الْمَسِيحِ، لَا يَفْتُرُ مِنَ الرَّهْبَانِيَّةِ، مُقِرٌّ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، تُضْرَبُ بِحِكْمَتِهِ الْأَمْثَالُ، وَتُكْشَفُ بِهِ الْأَهْوَالُ، وَتَتْبَعُهُ الْأَبْدَالُ. أَدْرَكَ رَأْسَ الْحَوَارِيِّينَ سَمْعَانَ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَأَلَّهَ مِنَ الْعَرَبِ وَأَعْبَدُ مَنْ تَعَبَّدَ فِي الْحِقَبِ، وَأَيْقَنَ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَحَذَّرَ سُوءَ الْمُنْقَلَبِ وَالْمَآبِ، وَوَعَظَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ قَبْلَ الْفَوْتِ، الْحَسَنُ الْأَلْفَاظِ، الْخَاطِبُ بِسُوقِ عُكَاظَ، الْعَالِمُ بِشَرْقٍ وَغَرْبٍ، وَيَابِسٍ وَرَطْبٍ، وَأُجَاجٍ وَعَذْبٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَالْعَرَبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، يُقْسِمُ بِالرَّبِ الَّذِي هُوَ لَهُ لَيَبْلُغَنَّ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، وَلَيُوَفَّيَنَّ كُلُّ عَامَلٍ عَمَلَهُ , ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
هَاجَ لِلْقَلْبِ مِنْ جَوَاهُ ادِّكَارُ وَلَيَالٍ خِلَالَهُنَّ نَهَارُ
وَنُجُومٌ يَحُثُّهَا قَمَرُ اللَّيْلِ وَشَمْسٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ تُدَارُ
ضَوْءُهَا يَطْمِسُ الْعُيُونَ وَرِعَادٌ شَدِيدٌ فِي الْخَافِقَيْنِ مُطَارُ
وَغُلَامٌ وَأَشْمَطٌ وَرَضِيعٌ كُلُّهُمْ فِي التُّرَابِ يَوْمًا يُزَارُ
وَقُصُورٌ مُشَيَّدَةٌ حَوَتِ الْخَيْرَ وَأُخْرَى خَلَتْ فَهُنَّ قِفَارُ
وَكَثِيرٌ مِمَّا يُقَصِّرُ عَنْهُ جَوْسَةُ النَّاظِرِ الَّذِي لَا يَحَارُ
وَالَّذِي قَدْ ذَكَرْتُ دَلَّ عَلَى اللَّهِ نُفُوسًا لَهَا هُدًى وَاعْتِبَارُ
فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " عَلَى رِسْلِكَ يَا جَارُودُ، فَلَسْتُ أَنْسَاهُ بِسُوقِ عُكَاظَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَوْرَقَ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ مُونَقٍ، مَا أَظُنُّ أَنِّي أَحْفَظُهُ، فَهَلْ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ