...
الفكر الإسلامي بين الأصالة والتقليد:
إن حياة الأمم وتقدمها رهن بقيمة تراثها وأصالته؛ فإن الأمة التي لا تراث لها لا ماضي لها ولا تاريخ لها تعتز به، والشعوب التي تعيش بلا تاريخ ليست إلا كتلًا بشرية لا قيمة لها في ميزان الأمم، والتاريخ في جوهره ليس إلا تسجيلا أمينا للجهود البشرية المتطورة والمتطلعة نحو الكمال، والأمة العربية أشد الأمم في هذه الآونة من التاريخ احتياجا إلى الدفاع عن تراثها وماضيها؛ ذلك أن الهجمات عليه قوية ومتوالية ومحكمة، ولم نقرأ في تاريخ الإنسانية كلها أن ثقافةً هوجمت بمثل العنف والشراسة اللذين هوجمت بهما الثقافة العربية والإسلامية بصفة خاصة، فمنذ أن فتح الاستعمار أعينه على منطقة الشرق العربي لم تكد تنقطع حملات التشكيك والتشهير بالفكر الإسلامي ورجاله؛ ذلك أن الثقافة العربية بخصائصها وروحها القوية كانت سياجًا قويًّا وحصنًا أمينًا ضد الغزوات الفكرية التي تعرضت لها هذه المنطقة على مر التاريخ، لما حل الاستعمار الحديث بهذه المنطقة مع ما تميز به من أساليب استعمارية امتازت بذكائها ودهائها استطاع أن يدخل على المسلم المعاصر ويلبس عليه الأمور من ناحية التشكيك في أصالة ما لديه من تراث وقيم.
ولقد بدأت هذه الحملات المسعورة على الفكر الإسلامي أبان القرن التاسع عشر حيث أشيع في تحامق وتعصب أن تعاليم الإسلام