وإنما لاستكمال فهمهم للفلسفة اليونانية وللفكر الأوربي بصفة عامة، والقصد من ذلك هو محاولة إقناع العالم بأوربة الفكر الإنساني كله، والقول بأوربة الحضارة الإنسانية بصفة عامة. فعل ذلك "بيتز" في كتابه مذهب الذرة عند المسلمين وعلاقته بمذاهب اليونان والهند، ولقد ظهر هذا الكتاب في الثلاثنيات من هذا القرن وهو يحمل العنوان السابق الذي يدل لأول نظرة على مقصده ومضمونه، ويدور الكتاب في معظم فقراته على سلب العقلية العربية كل خصائص الأصالة والابتكار لينسبها إما إلى الهند مرة، وإما إلى اليونان في معظم الأحوال، فهو مرة يرجع أصول مقالات المتكلمين في الجوهر الفرد إلى أصول هندية، ومرات يرجع أصول رأي الرازي في نفس المشكلة إلى آراء أفلاطون وديقريطس، وقد يتساءل المرء: ولماذا الإصرار على إرجاع كل مصادر القول بالذرة عند علماء الكلام إلى أصل هندي؟، والجواب: أن الهنود ليسوا جنسًا ساميًا، أما العرب فهم ساميون لا يصلحون للابتكار، ومعنى هذا أن المستشرقين يقبلون أن يكون للهند مذهب مستقل في الجوهر الفرد، ولا يرضون ذلك للعرب، وهل تستطيع أن تجد لهذا التحكم من تبرير عقلي سوى التعصب لفكرتهم عن تفوق العقل الآري على بقية الأجناس، ولخطورة هذه الدعوى أود أن أخصصها بشيء من الرد التفصيلي عن أصالة الفكر الإسلامي واستقلاله عن الفلسفة اليونانية.