الثاني قوله تعالى: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} و"لن" تفيد تأكيد النفي في المستقبل فثبت بالخبر أن البشر لن يأتوا بمثله فيما يستقبل من الزمن، فكان القرآن بذلك قد أخبر بعجز الإنس والجن أن يأتوا بمثله ولو تعاون على ذلك أهل الأرض قاطبة.
وكان كفار في مكة من أحرص الناس على إبطاله ومعارضته مجتهدين في ذلك بكل الوسائل، تارة يسألون أهل الكتاب عن أمور غيبية؛ ليسألوا عنها محمدا؛ ليظهروا بذلك عجزه، كما سألوهم عن قصة يوسف، وأهل الكهف، وذي القرنين، وحاولوا أن يختبروا الرسول في ذلك.
وتارة يجتمعون المرء بعد المرء؛ ليتفقوا على أمر يسألون عنه محمدًا بقصد إعجازه، فكان ينزل القرآن بالإجابة الشافية لأمراضهم، فإذا كان هذا شأنهم معه، حرصٌ تامٌّ على المعارضة المرة تلو المرة ولو كانوا قادرين عليها لفعلوها؛ لأنه إذا وجدت الدواعي التامَّة وامتنعت الصوارف وكانت القدرة حاصلة، وجب وجود المطلوب، وهذا شأننا مع المستشرقين الآن، وهذا التحدي من أبلغ المواقف القرآنية التي يتحدى بها أهل الأرض قديمًا وحديثًا، وكل من ادعى بشرية القرآن فعليه أن يأتي بمثله آية، أو سورة، أو عشر سور، فإن لم يستطع أحد أن يفعل ذلك فعليه أن يؤمن به، ومعلوم لدى أهل العلم بالقرآن وعلومه أن أوجه الإعجاز القرآني من جهة معانيه وإخباره