أولا: لقد قال المشركون عنه: إنه معلم، وشاعر، وساحر، وأن القرآن إفك افتراه، ولعل مجيء القرآن مشتملا على هذه الاتهامات، ذاكرا لها أكبر دليل على أن القرآن الكريم ليس من عند محمد ولا من بنات أفكاره.
فإن من له صلة بالقرآن وتلاوته يدرك تماما سقوط هذه الدعاوى الظالمة، ويعلم يقينا أن القرآن كان أمينا في عرض هذه الاتهامات على ألسنة المشركين وأمينا في الاحتفاظ بها تتلى ضمن آياته، ويتعبد بها المسلم كما يتعبد بتلاوة غيرها من الآيات؛ ليكون القرآن نفسه حاملا معه أدلة نفي هذه الاتهامات الكاذبة، وحاملا معه دلائل مصدره الإلهي؛ فإن مَن له حظ من العقل والحكمة يعلم تماما أن هذا القرآن لو كان من عند محمد لجاء خاليًا تمامًا من ذكر هذه الاتهامات الموجهة إليه، ولكان أولى له أن يأتي بشهادات تأييده وصدقه، بدلا من ذكر الاتهامات التي وجهها المشركون إليه في أول عهدهم بالدعوة، إن تسجيل القرآن الكريم لهذه الاتهامات يدل على أمرين مهمين جدًّا في شأن الدعوة الإسلامية.
الأمر الأول: دلالته على صدق النبي وأمانته في النقل عن ربه؛ لأنه ليس من صالح أصحاب الرسالات أن ينقلوا إلينا هذه الاتهامات التي تحمل معنى التكذيب والافتراء بل كان الأولى بهم لو لم يكونوا رسلا صادقين أن يخفوا ذلك تماما عن الأتباع، ولجاءوا بدلًا منها بشهادات تأييد وتصديق، كما يحدث في عهدنا هذا في كثير