وأقامها على منار فى وسط قصره، فكان ينظر فيها جميع الأمم والأقاليم وغير ذلك، ويقابل ذلك بما يصلحه. وكان قد عهد إلى رئيس كهنته ان يأمرهم بالنظر فى كل يوم ما يحدث فى العالم، ويخلد ذلك فى كتاب؛ فجمع إليه العلماء والكهنة والمنجمون من جميع أقطار الأرض، وحققوا له ما أراد وتم له ذلك. وعملت له الغرائب والعجائب فى البناء والطلسمات، وغير ذلك، وفى أيامه بنيت الأهرام التى بأرض مصر. فيقال إنه ليس على وجه الأرض حجر موضوع على حجر أغرب من بناء أهرام مصر.
وكان سبب بناء هذ الأهرام أن الملك شوندين رأى رؤيا هائلة، وذلك أنه رأى الكوكب المعروف بالبانية فى صورة طير أبيض وكأنه يختطف العالم ويلقيهم بين جبلين، وكأن الجبلين انطبقا عليهم، وأن الكواكب المنيرة مظلمة كاسفة كلها. فأخبر بذلك رؤساء الكهان والعلماء وأمرهم أن ينظروا ما تدل عليه الكواكب مما يحدث فى العالم، فأقاموا الكواكب فى مراكزها فى وقت مسألة فدلت على آفة نازلة من السماء وخارجة من الأرض. فلما بان لهم ذلك أخبروه به، فقال ما هو ذلك فنظروا فى خفى أمورها ودقائق علمها، فوجدوها مفسدة للأرض وأهلها وحيوانها وجميع ما فيها، وقالوا إن هذه الآفة محيطة بجميع أقطار الأرض إلا اليسير، وذلك إذا نزل قلب الأسد بأول دقيقة من السرطان، وتكون الشمس والقمر فى أول دقيقة من الحمل. فلما تيقن الملك شوندين من ذلك، وعلم أن تلك الآفة تكون ماء يغرق الأرض ومن عليها،. مر ببناء الأهرام «1» - وهى البرابى لتخليد علومهم وصناعاتهم وسير ملوكهم وسننهم فى رعيتهم وأهل مملكتهم- وبنيان أعلام عظام تكون خزائن لأموالهم وكنوزهم وذخائرهم، وتكون أيضا قبورا لهم ولأهل بيتهم، تحفظ أجسادهم من الفساد وتبقى علمهم صحيحا «2» ، وأمر بأن يبنى ذلك كله من حجر صلد لا يغيره الدهر ولا يفسده الطوفان.