وأيا ما كان فإنا نعتبر «الناظر» هو المؤلف الحقيقى للكتاب بصورته التى وصلتنا؛ فهو قد لجأ إلى كتاب قديم نجهل صاحبه، فوضع له المقدمة، ورتب فيها منهجه (من وصف الأماكن المقدسة ومصر وبلاد المغرب) ، وهو قد نقح الأصل وحققه وأضاف إليه، ثم ختمه. وهو يعد بإخراج كتاب خاص بتاريخ المغرب إلى أيامه. وفى الكتاب فقرات تبين أن الناظر عاش على عهد يعقوب المنصور الموحدى، وأنه كان ينظر بعين الولاء لأحد كبار رجال الدولة حينئذ وهو الشيخ أبو عمران بن أبى يحيى بن وقتين الذي يهدي إليه الكتاب ويطلب منه حسن الرعاية (ص 1، 2) . ويظهر أنه كان يصنف الكتاب فى سنة 587 (1191) كما يفهم من بعض إشاراته (ص 138) ، وخاصة بمناسبة سفارة ابن منقذ رسول صلاح الدين إلى الخليفة المغربى (ص 107) ؛ وبمناسبة العمليات الحربية ضد بنى غانية بإفريقية (ص 111) . ولكنه يتضح أيضا أن الكتاب كان موضع تنقيحات تالية بالنسبة لهذا التاريخ؛ والمثل لذلك زيارة ابن منقذ. فبهذه المناسبة يعود صاحب الكتاب، بعد أن يذكر أنه كتب ذلك فى رمضان سنة 587 (سبتمبر- اكتوبر 1191) ، فيقول إن رسول صلاح الدين ترك العاصمة المغربية فى 11 من المحرم سنة 588 (28 من يناير 1192) .
هذا وتدل التفصيلات التى يمدنا بها عن مكناسة وفاس ومراكش على معلوماته الغزيرة عن هذه المدن. فلا شك أنه عاش فيها إن لم يكن أصله منها؛ فهو لا يكتفى بالوصف الدقيق للعواصم المغربية بأمبراطورية الموحدين على عهده، ولا بالأعمال الإنشائية التى تمت على عهد يعقوب وسلفيه، بل يقترح خططا عمرانية أخرى تهدف إلى نشر الرخاء فى هذه المناطق.
وزيادة على ذلك فإن المعلومات التى يعطيها عن الحملة العسكرية ضد بنى غانية فى إفريقية تتفق بشكل غريب مع إحدى الرسائل الرسمية الصادرة من ديوان يعقوب المنصور، والتى يقتطف منها بعض الفقرات (ص 159 وهامش 1) . وهو عندما يتكلم عن بلاد السودان يقول إنه اطلع على الرسائل
€