ابن محمد الأوربى معتزلى المذهب فوافقه إدريس على مذهبه، وأقام عنده، وأمر اسحاق قبيلته بطاعته وتعظيمه. وكان ذلك فى خلافة هارون الرشيد أمير المؤمنين، فوصله خبره، فغمه ذلك، فشكا ذلك إلى يحيى بن خالد، فقال له أنا أكفيك خبره يا أمير المؤمنين. ثم أرسل إلى سليمان بن جرير الجزيرى «ا» وكان رجلا من ربيعة متكلما ممن يرى رأى اليزيدية متعصبا لآل أبى طالب، وكان جلدا شجاعا، أحد شياطين الإنس وكانت له إمامة فى اليزيدية، وهو الذي جمع الرشيد بينه وبين هشام بن عبد الحكم حين ناظره في أمر الإمامة، ولذلك قصة طويلة. قال فأرغبه يحيى بن خالد فى المال ووعده عن نفسه وعن أمير المؤمنين بمواعد عظيمة، ودعاه إلى قتل إدريس، والتلطف فى أمره.
فأجابه إلى ذلك وأعطاه مالا جزيلا ودفع إليه قارورة فيها غالية مسمومة، ووجه معه رجلا من ثقاته. فانطلق سليمان مع صاحبه، فلم يزالا يتغلغلان فى البلاد حتى وصل إلى إدريس، وكان إدريس عالما برياسة سليمان باليزيدية «ب» ، فلما وصل إليه قال: إنما جئتك بنفسى وحملتها على ما حملتها عليه لمذهبى فيكم أهل البيت، فجئتك لا فى حاجة إليك إلا لأنصرك بنفسى؛ فسرّ «ج» إدريس بقوله، وقبله أحسن قبول، فأحسن نزله وأكرم مثواه وأنس به. فكان سليمان يجلس فى مجالس البربر ويظهر الدعاء إلى ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويحتج لأهل البيت كاحتجاجه بالعراق. فأعجب ذلك إدريس منه، ومكث عنده مدة، وهو يطلب الغرة فيه ويرتصد الفرصة فى أمره، فدخل عليه سليمان ومعه القارورة، فلما انبسط إليه إدريس وأخلى له وجهه، قال له سليمان:
جعلنى الله فداك، هذه القارورة فيها غالية رفيعة أو صلتها معى وأعلم أنه ليس ببلدك طيب فجئتك بها، ووضعها بين يديه؛ ففتحها إدريس وشمها وتخلق بها. وقيل أخرج سكينا، وقطع به تفاحة، وأعطاه النصف الذي يلى الجهة المسمومة من السكين، ثم انصرف سليمان إلى صاحبه وقال له قم، قد تم مرادنا لنا، وقد كان أعد فرسين فركباهما، وخرجا يطلبان «د» النجاة. فلما وصل السم إلى خياشيم إدريس، وتغلغل فى دماغه سقط مغشيا عليه لا يعقل، ولا يدرى من يحتضر به من أهله وحاشيته ما شأنه. قال فبعثوا إلى راشد فجاء مسرعا