فى رعيته، والاستثئار بحيازة مآثر من تواريخ الأمم، وسير العرب والعجم، إذ كان المرء يقف منها على أخبار من غبر، وآثار من ذهب ودثر، ويشاهد ممالك ذهبت وبادت «ا» ، كأنها عادت إلى الحياة أو كادت:
لم يبق شىء من الدنيا أسرّ به ... إلا الدفاتر فيها الشعر والخبر
مات الذين لهم فضل ومكرمة ... وفى الدفاتر من أخبارهم آثر
وقديما وضع «ب» الناس التواريخ ورتبوها، ودونوا الأخبار وكونوها، حرصا منهم على نظم فرائدها وتقييد شواردها، وما زال واضعوها يتقلبون بين إكثار وإقلال، وإسهاب واختصار، وكلهم يجرى على طريقة إلى غاية يضيفها ويسطرها. وكثيرا ما خلد خدم العقلاء ملوك أزمنتهم بالتواريخ المؤلفة والتواليف المزخرفة، تفننا لمسراتهم وترضيا لمبراتهم، ولولا ذلك لم يحصل الأخر على علم الأول، ولا عرفت أخبار الملل والدول.
ولذلك رأيت الشيخ الأجل المعظم، الأغر الأسنى، الأمجد المكرم، أبا «ج» عمران بن الشيخ الأرفع، المرحوم أبى يحيى بن وقتين «1» أدام الله علاهم، ووصل مجدهم وسراهم، قد أبرز على الفضلاء فضلا، وأربى على النبلاء نبلا، وزاد على أهل زمانه فى العلم والحلم، وغبطة بالعلم ووصل العلماء ومراضاة الفقهاء. وكانت همته السامية إلى طراف الأخبار، وإيثار أهل الآثار، إلى أن شادت بذلك الرفاق، وامتلأت بحديثه الآفاق، ونازعتنى الرغبة والتصدى لشكر النعمة، إلى أن أطرز باسمه كتابا يجمع بين الأخبار والصحائف، ويأخذ بطرفى شرائد الطرائف، متضمنا بذلك إحسانه، راجيا بذلك فضله وامتنانه بمنه حسبما أردته. و [لما] اتسق وصفه على ما اخترت، سميته بكتاب الاستبصار فى عجائب الأمصار، بعد أن قصدت فى أكثره التحقيق واطرحت فى مستودعه التلفيق.