دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً، وليس فيه شيءٌ- ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله- فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، حتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أظرفه، ما أعلقه، وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان، ولقد أتى عليَّ زمانٌ وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلماً ليردنه عليَّ دينُهُ، وإن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه عليَّ ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً.
قال ابن التين: الأمانة: كل ما يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلف، وعن ابن عباس: هي الفرائض التي أمروا بها ونهوا عنها، وقال أبو بكر بن العربي: المراد بالأمانة في هذا الحديث الإيمان، وتحقيق ذلك فيما ذكر من رفعها أن الأعمال السيئة لا تزال تضعف الإيمان حتى إذا تناهى الضعف لم يبق إلا أثر الإيمان وهو التلفظ باللسان والاعتقاد الضعيف في ظاهر القلب، فشبهه بالأثر في ظاهر البدن، وكنى عن ضعف الإيمان بالنوم، وضرب مثلاً لزهوق الإيمان عن القلب حالاً بزهوق الحجر عن الرجل حتى يقع بالأرض. (م).
قال صاحب التحرير: معنى الحديث أن الأمانة تزول عن القلوب شيئاً فشيئاً فإذا زال أول جزء منها زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت- وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله- فإذا زال شيء آخر صار كالمجل- وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة- وهذه الظلمة فوق التي قبلها، ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بحجر على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الحجر ويبقى التنفط. (1)