واشترط الحنفية والمالكية: أن يكون الأمان لمصلحة، لأن الحرب مع العدو مستمرة، واكتفى الشافعية والحنابلة عدم وجود الضرر من الأمان ولا تشترط المصلحة. فلا يجوز الأمان لجاسوس ونحوه، إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (?).
3 - الهدنة: إنه لا يصح أن تقاد الحروب بلا نظر إلى الأرباح والخسائر، ولا يصح أن تقاد دون مراعاة لطاقات الأمة وطاقات الأفراد ودون مراعاة الظروف، ومن هاهنا كانت الهدنة جزءاً مما اعتادته الأمم في حروبها، وقد أقر الإسلام مبدأ الهدنة، وأشرنا من قبل إلى أنه من الحالات التي تُنهى بها الحرب حالة الهدنة، وللفقهاء في الهدنة كلام كثير، وللمسلمين خلال التاريخ قراراتهم الكثيرة في موضوع الهدنة وذلك كله مما يُستأنس به إذا ما كتبت أحكام الهدنة وتاريخها.
والهدنة: هي مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض أو غيره، سواء فيهم من يقر على دينه ومن لم يقر دون أن يكونوا تحت حكم الإسلام. وعاقدُها هو الإمام أو نائبه باتفاق الفقهاء فإن عقدها أحد الأفراد عُد ذلك افتياتاً على الإمام أو نائبه، ولم يصح العقد عند الجمهور ويصح عند الحنفية إذا تلاه فريق من المسلمين بغير إذن الإمام وإذا توافرت المصلحة للمسلمين فيه، وصيغتها: لفظ الموادعة أو المصالحة، وركنها: الإيجاب والقبول. وشرطها: أن يكون المسلمون في حال من ضعف والكفار أقوياء. والحقيقة أن هذا الشرط حالة من الحالات التي يطلب فيها باتفاق العلماء وجود المصلحة من عقد الهدنة، والمصلحة كما تتحقق حال ضعفنا، تتحقق بأغراض أخرى كرجاء إسلام الكفار أو قعد الذمة أو التعاون معهم لدفع عدوان غيرهم أو لإقرار السلام، وتبادل المنافع الاقتصادية ونحوها.
ولا بأس بأن يتم الصلح على عوض مالي يدفعه المسلمون إلى الكفار عند الاضطرار، أو يدفعه الأعداء للمسلمين إذا كان في الدفع مصلحة للمسلمين، لأن الله تعالى أباح لنا الصلح مطلقاً فيجوز ببدل أو بغير بدل ولأن المقصد من الصلح هو دفع الشر والخطر فيجوز بأية وسيلة هذا باتفاق الفقهاء.