ذلك، ونزلت {مِنَ الْفَجْرِ}.
فلما كان حكم هذه الآية قد أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بين الله عز وجل لهم من ذلك ما بين، وحتى أنزل {مِنَ الْفَجْرِ} بعدما قد أنزل {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} فكان الحكم أن يأكلوا ويشربوا حتى يتبين لهم ذلك، حتى نسخ الله عز وجل بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} على ما ذكرنا- ما قد بينه سهل في حديثه.
واحتمل أن يكون ما روى حذيفة من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول تلك الآية، فلما أنزل الله عز وجل تلك الآية أحكم ذلك، ورد الحكم إلى ما بين فيها.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ما قد حدثنا أبو أمية، قال: ثنا أبو نعيم، والخضر بن محمد بن شجاع، قال: حدثنا ملازم بن عمرو، قال: ثنا عبد الله بن بدر السحيمي، قال: حدثني جدي قيس بن طلق، قال: حدثني أبي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلوا واشربوا ولا يهيدنكم- لا يمنعكم- الساطع المصعد، كلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر" قال الخطابي معناه: أن يستطير البياض المعترض معه أوائل الحمرة، والمراد الفجر الصادق- وأشار بيده واعرضها.
فلا يجب ترك آية من كتاب الله تعالى نصاً، وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة قد قبلتها الأمة وعملت بها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، إلى حديث قد يجوز أن يكون منسوخاً بما ذكرناه في هذا الباب اهـ. شرح معاني الآثار للطحاوي (2/ 52 - 54).
يضاف إلى هذا أن في سند الحديث الذي فيه (هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع): عاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النجود وهو حجة في القراءة وقد وثقه جماعة من العلماء وأثنوا عليه لكن تكلم بعضهم في حفظه وضبطه. فقال ابن سعد: كان ثقة إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه، وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب، وكان ابن علية يقول: كل من اسمه عاصم سيئ الحفظ، وقال ابن خراش: في حديثه نكرة، وقال العقيلي: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ، وقال الدارقطني: في حفظه شيء (التهذيب 5/ 39). وهكذا فإنه لا يبعد أن يكون قد وقع وهم ما في هذه الرواية مع مخالفتها لما صح عن رسول الله من وجوب الإمساك عند طلوع الفجر الصادق. على أنه يمكن الجمع بين الروايات بما لا يخالف