{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (?). فما من شيء في هذا القرآن إلا وهو في أعلى الذرى سواء في ذلك فصاحته أو بيانه أو معانيه وما من شيء في القرآن إلا هو على غاية الحكمة، فكما أن هذا الكون مجلي لاسم الله الحكيم فهذا القرآن مجلي لاسم الله الحكيم كذلك. فإذا ما جئت إلى إعجاز القرآن ورأيت عجز البشر جميعاً في كل العصور عن أن يأتوا بسورة من مثله أوقفك هذا وحده على عظمة هذا القرآن وتميزه عن كلام البشر، فإذا ما أضفت إلى هذا كله أن في هذا القرآن معجزات متعددة منها التاريخي ومنها الكوني ومنها ومنها ... عرفت عظمة هذا القرآن، وعظمة منزله وإن له ميزان دقيق أن تعرف مقامك من خلال موقفك من القرآن فبقدر معرفتك بعظمته تعرف عظمة الله، وبقدر معرفتك به تعرف الله، وبقدر حبك له يتجلى حبك لله، وهذه القضايا الخمس بحار لا سواحل لها، وإن كل ما تكلم به الناس في أي واحدة منها فإنهم يبقون قريبين جداً من الشاطئ، وهيهات أن يصل الإنسان إلى الشاطئ الآخر من هذه القضايا الخمس: هداية القرآن، وشمولية بيانه وأسلوبه، وإعجازه ومعجزاته.
وقد تكلم الكثيرون في الإعجاز، وتكلم الكثيرون في معجزات القرآن وفي أسلوبه، وفي شمولية بيانه وفي كمال هدايته ولا سبيل إلا الاستقصاء، فقد تعرضنا لكل هذه الأمور في كتابنا (الأساس في التفسير)، فلن نتعرض في هذه المقدمة لقضيتين شمولية البيان وكمال الهداية فذلك شيء محل تفصيله هذه السلسلة كلها (الأساس في المنهج) بكتبها الثلاثة: الأساس في التفسير، الأساس في السنة وفقهها، الأساس في قواعد المعرفة وضوابط الفهم للنصوص. وإنما نستخلص لك خلاصة في موضوع أسلوب القرآن إعجازه ومعجزاته مستعينين بما كتب مضيفين إلى ذلك ما يفتح الله علينا من فضله جل جلاله.