ملكاً لهم. وهو حكم متفق عليه عند عامة الفقهاء، على أن للمهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأبنائهم في مكة عذراً آخر في القصد إلى أخذ عير قريش والاستيلاء عليها، وهو محاولة التعويض - أو شيء من التعويض - عن ممتلكاتهم التي بقيت في مكة واستولى عليها المشركون من ورائهم.

إنه بالرغم من مشروعية هذا القصد، فإن الله تعالى أراد لعباده المؤمنين قصداً أرفع من ذلك وأليق بوظيفتهم التي خلقوا من أجلها، ألا وهي الدعوة إلى دين الله والجهاد في سبيل ذلك، والتضحية بالروح والمال في سبيل إعلاء كلمة الله، ومن هنا كان النصر العظيم حليف أبي سفيان في النجاة بتجارته، بمقدار ما كانت الهزيمة العظيمة حليف قرش في ميدان الجهاد بينهم وبين المسلمين، وإن هذه التربية الإلهية لنفوس المسلمين لتتجلى بأبرز صورها في قوله تعالى:

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} (?)

2 - وعندما نتأمل كيف يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ليشاورهم في الأمر الذي فوجئوا به بعد أن أفلت منهم العير وطلع عليهم النفير العظيم المدجج بالسلاح الكامل، نقف على دلالتين شرعيتين لكل منهما أهمية بالغة.

الدلالة الأولى: التزامه صلى الله عليه وسلم مبدأ التشاور مع أصحابه، وإذا استعرضنا حياته صلى الله عليه وسلم، وجدنا أنه كان يلتزم هذا المبدأ في كل أمر لا نص فيه من كلام الله تعالى، مما له علاقة بالتدبير والسياسة الشرعية، ومن أجل هذا أجمع المسلمون على أن الشورى في كل ما لم يثبت نص مُلزم فيه من كتاب أو سنة، أساس تشريعي دائم لا يجوز إهماله. أما ما ثبت فيه نص من الكتاب أو حديث من السنة أبرم به الرسول صلى الله عليه وسلم حكمه، فلا شأن للشورى فيه ولا ينبغي أن يقضي عليه بأي سلطان.

الدلالة الثانية: خضوع حالات الغزو أو المعاهدات أو الصلح بين المسلمين وغيرهم لما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015