فولى الخلافة بعده فتح الله على يديه كثيراً من الأقاليم والأمصار، وتوسعت المملكة الإسلامية، وامتدت الدولة المحمدية، وبلغت الرسالة المصطفوية في مشارق الأرض ومغاربها، وظهر للناس مصداق قوله تعالي: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (?)، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)} (?).
وقد كان رضي الله عنه حسن الشكل، مليح الوجه كريم الأخلاق، ذا حياء كثير، وكرم عزير، يؤثر أهله وأقاربه في الله، تأليفاً لقلوبهم من متاع الحياة الدنيا الفاني، لعله يرغبهم في إيثار ما يبقي على ما يفنى، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي أقواماً ويدع آخرين، يعطي أقواماً خشية أن يكبه الله على وجوهم في النار، وبكل آخرين إلى ما جعل الله في قلوبهم من الهدي والإيمان، وقد تعنت عليه بسبب هذه الخصلة أقوام، كما تعنت بعض الخوارج على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإيثار.
أقول: إن استعانة أمير المؤمنين ببعض أقاربه قد يكون فيه مصالح منها الضبط ومنها قوة الولاء ومنها الجرأة على المصارحة بواقع الحال، ولكن الناس ألفوا سنة عمر الذي كان يستبعد أن يولي أحداً من أقاربه فلم يسلم بعضهم لعثمان بهذا الاجتهاد، وهو على كل حال من الأحوال اجتهاد خلية راشد يشكل سابقة من سوابق الحكم في الأمة الإسلامية، وعلى أمراء المؤمنين أن يجاهدوا أنفسهم فلا يميلوا مع الهوى ويتخيروا من سنن الخلفاء الراشدين ما هو الأنسب للصالح العام.
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل عثمان رضي الله عنه:
قال البخاري في التاريخ: ثنا موسي بن إسماعيل ثنا مبارك بن فضالة قال: سمعت الحسن يقول: أدركت عثمان على ما نقموا عليه، قل ما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون فيه خيراً، يقال لهم: يا معشر المسلمين أعدوا على أعطياتكم، فيأخذونها وافرة، ثم