صباحها عن اليوم الرابع من موت عمر بن الخطاب جاء إلى منزل ابن اخته المسور بن مخرمة فقال: أنائم يا مسور؟ والله لم أغتمض بكثير نوم منذ ثلاث، أذهب فادع إلي علياً وعثمان قال المسور: فقلت بأيهما أبداً؟ فقال بأيهما شئت، قال فذهبت إلى علي فقلت أجب خالي، فقال: أمرك أن تدعو معي أحداً؟ قلت: نعم! قال: من؟ قلت: عثمان ابن عفان، قال: بأيبنا بدأ؟ قلت: لم يأمرني بذلك، بل قال أدعو لي أيهما شئت أولاً، فجئت إليك قال: فخرج معي فلما مررنا بدار عثمان بن عفان جلس علي حتى دخلت فوجدته يوتر مع الفجر، فقال لي كما قال لي على سواء، ثم خرج فدخلت بهما على خالي وهو قائم يصلي، فلما انصرف أقبل على علي وعثمان فقال: إني قد سألت الناس عنكما فلم أجد أحداً يعدل بكما أحداً، ثم أخذ العهد على كل منهما أيضاً لئن ولاه ليعدلن، ولئن ولي عليه ليسمعن وليطيعن، ثم خرج بهما إلى المسجد وقد لبس عبد الرحمن العمامة التي عّممه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقلد سيفاً، وبعث إلى وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ونودي في الناس عامة الصلاة جامعة، فامتلأ المسجد حتى غص بالناس، وتراص الناس وتراصوا حتى لم يبق لعثمان موضع يجلس إلا في أخريات الناس - وكان رجلاً حيياً رضي الله عنه - ثم صعد عبد الرحمن بن عوف منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوق وقوفاً طويلاً، ودعا دعاء طويلاً، لم يسمعه الناس ثم تكلم فقال: أيها الناس ثم تكلم فقال: أيها الناس، إني سألتكم سراً وجهراً بأمانيكم فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين إما علي وإما عثمان، فقم إلىٌ يا علي، فقام إليه فوقف تحت المنبر فأخذ عبد الرحمن بيده فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، قال فأرسل يده وقال: قم إلى يا عثمان، فأخذ بيده فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم نعم قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان فقال اللهم أسمع وأشهد، اللهم أسمع وأشهد، اللهم أسمع وأشهد، اللهم إني قد خلعت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان، قال وازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه تحت المنبر، قال فقعد عبد الرحمن مقعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأجلس عثمان تحته على الدرجة الثانية، وجاء إليه الناس يبايعونه، وبايعه إلى بن أبي طالب أولاً.