أدخِلوه، فأُدخِل، فوضِعَ هنالك مع صاحبيه. فلما فُرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهطُ، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثةٍ منك. فقال الزبير: قد جعلتُ أمري إلى عليِّ. فقال طلحة: قد علتُ أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف. فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظران أفضلهم في نفسه؟ فأسكت الشيخان. فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليَّ والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم؟ قال: نعم. فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلموالقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتُك لتعدلن، ولئن أمرتُ عثمان لتسمعن ولتطيعنَّ. ثم خلا بالآخر فقال مثل ذلك. فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، فبايع له عليّ، وولج أهلُ الدار فبايعوه.
قوله: (كذتَ): قال الحافظ: هو على ما ألف من شدة عمر في الدين، لأنه فهم من ابن عباس من قوله: إن شئت فعلنا، أي قتلناهم، فأجابه بذلك، وأهل الحجاز يقولون: كذبت في موضع أخطأت، وإنما قال له بعد أن صلوا، لعلمه أن المسلم لا يحل قتله، ولعل ابن عباس إنما أراد قتل من لم يسلم منهم.
قوله: (يا عبد الله انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه):
قال الحافظ: في حديث جابر: ثم قال: يا عبد الله أقسمت عليك بحق الله وحق عمر إذا مت فدفنتني أن لا تغسل رأسك حتى تبيع من رباع آل عمر بثمانين ألفاً فتضعها في بيت مال المسلمين، فسأله عبد الرحمن بن عوف، فقال: أنفقتها في حجج حججتها، وفي نوائب كانت تنوبني، وعرف بهذا جهة دين عمر.
قال الحافظ في الفتح: وفي قصة عمر هذه من الفوائد، شفقته على المسلمين ونصيحته لهم، وإقامة السنة فيهم، وشدة خوفه من ربه، واهتمامه بأمر الدين أكثر من اهتمامه بأمر نفسه، وأن النهي عن المدح في الوجه مخصوص بما إذا كان غلو مفرط أو كذب ظاهر، ومن ثم لم ينه عمر الشاب عن مدحه له مع كونه أمره بتشمير إزاره، والوصية بأداء الدين.