أقبلت على الدعوة الإسلامية - بفضل الله - في سنِّ مبكرة من حياتي، وكانت المكتبة الإسلامية لحديثة فقيرة، وكان من أبرز الكُتَّاب الذين تصادفنا كتبهم في تلك الأيام الشيخ محمد الغزالي - أطال الله بقاءه - وكان مما قرأت له كتاب فقه السيرة، وكان مما قاله في هذا الكتاب:
إن القرآن روح الإسلام ومادته، وفي آياته المحكمة شُرِحَ دستوره وبُسِطَتْ دعوته، وقد تكفل الله بحفظه فصِينت به حقيقة الدين، وكُتِبَ لها الخلود أبد الآبدين، وكان الرجل الذي اصطفاه الله لإبلاغ آياته وحمل رسالته (قرآناً) حياً يسعى بين الناس، كان مثالاً لما صوَّره القرآن من إيمان وإخبات، وسعي وجهاد، وحق وقوة، وفقه وبيان، فلا جرم أن قوله وفعله وتقريره وأخلاقه وأحكامه، ونواحي حياته كلها تعد ركناً في الدين، وشريعة للمؤمنين.
إن الله اختاره ليتحدث باسمه ويبلغ عنه، فمن أولى منه بفهم مراد الله فيما قال؟ ومن أولى منه بتحديد المسلك الذي يتواءم مع دلالات القرآن القريبة والبعيدة؟ إن تطبيق القانون لا يقل خطراً عن صياغته، وللقانون نص وروح، وعند علاج الأحداث المختلفة لتسير وفق القانون العتيد، تجدُّ فتاوى وتدوّنُ نصائح، وتُحفظ تجارب وعِبر، وتثبت أحكام بعضها أقرب إلى حرفية النص وبعضها أدنى إلى روحه .. وهكذا.
والقرآن هو قانون الإسلام، والسنة هي تطبيقه، والمسلم مكلف باحترام هذا التطبيق تكليفه باحترام القانون نفسه، وقد أعطى الله نبيه صلى الله عليه وسلم حق الاتباع فيما يأمر به وينهى عنه لأنه - في ذلك - لا يصدر عن نفسه بل عن توجيه ربه، فطاعته هي طاعة الله، قال الله عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ