وختم هذه المحاضرة بقوله:
لقد بينت لكم في هذه المحاضرة ما كان في الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من خلالٍ جامعة. وقد أشرت إلى مظاهرها العديدة ونواحيها المختلفة، وإخالكم قد ألفتم مما درستم في طبيعة الكون من ألوان مختلفة، وما عرفتم في طبائع البشر من مواهب شتى وهذه الدنيا ليست إلا مظهراً من مظاهر الحياة متنوعة الألوان - أن العالم لا يمكن أن تكون هدايته إلا بالمصلح الأخير للدنيا وهو خاتم رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي اجتمعت فيه خلال الإرشاد كلها وخصال الإصلاح للنوع البشري بأجمعه، ولذلك قال له الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (?) فوجه الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى كل من يدعي محبة الله بأن يتبعه ويطيع أمره، ونادى الملوك في ممالكهم، والرعاع في شوارعهم، والمعلمين في مدارسهم، والتلاميذ في فصولهم، والفقراء في أكواخهم، والأغنياء في قصورهم، كما دعا المظلومين والمقهورين والمخذولين، بل أهاب بالعالم كله أن يتبعوا سبيله ويقتفوا أثره، لأن سيرته الشريفة هي المثل الأعلى، وفيها الأسوة الكاملة لكل من يحب الخير ويبتغي الصلح لنفسه.
اللهم صل وسلم عليه وآله وصحبه أجمعين.
* * *
(6)
وبعد أن أثبت تاريخية السيرة المحمدية وكمالها وشمولها، خشي أن يفهم فاهم أن هذه السيرة غير عملية أو غير واقعية أو غير ممكنة التطبيق فكانت المحاضرة السادسة في ذلك: فأثبت واقعيتها من خلال نقطتين، الأولى: أن رسول الله ما كان يأمر بشيء إلا فعله. الثانية: أنه ارتفع بأصحابه إلى تطبيق ما دعا إليه، فسيرته قائمة على التطبيق العملي في حياة