وإن كنت زوجاً فاقرأ السيرة الطاهرة والحياة النزيهة لزوج خديجة وعائشة. وإن كنت أبا لأولاد فتعلم ما كان عليه والد فاطمة الزهراء وجد الحسن والحسين.
وأياً من كنت، وفي أي شأن كان شأنك، فإنك مهما أصبحت أو أمسيت وعلى أي حال بت أو أضحيت فلك في حياة محمد صلى الله عليه وسلم هداية حسنة وقدوة صالحة تضيء لك بنورها دياجي الحياة، وينجلي لك بضوئها ظلام العيش، فتصلح ما اضطرب من أمورك، وتثقف بهديه أودك، وتقوِّم بسنته عوجك.
وإن السيرة الطيبة الجامعة لشتى الأمور هي ملاك الأخلاق وجماع التعاليم لشعوب الأرض وللناس كافة في أطوار الحياة كلها وأحوال الناس على اختلافها وتنوعها، فالسيرة المحمدية نور للمستنير، وهديها نبراس للمستهدي وإرشادها ملجأ لكل مسترشد.
بمثل هذا البيان تحدث المؤلف عن الشمولية في السيرة النبوية، وقارن في هذه المحاضرة بين حياة محمد صلى الله عليه وسلم وحياة غيره من الأنبياء، فأثبت أن سيرة غير سيرته لم يثقل لنا منها مثل هذه الشمولية، ومن ثم كلف الله عز وجل الإنسانية جميعاً - وإلى قيام الساعة - أن تقتدي به، وبيّن أن الاقتداء بغيره ليس كافياً، عدا عن كونه لا يمثل التكليف الإلهي بعد بعثته - عليه الصلاة والسلام -.
وقدّم في جملة ما قدّم براهين على شمولية سيرته صلى الله عليه وسلم أن دعوته منذ نشأتها كانت موجهة لكل الناس، ودخل فيها كل الناس، وكل الأصناف، وظهرت في أتباعه جميع الطبقات، وكلهم سواء كانوا سياسيين أو عسكريين أو زهاداً أو عباداً أو علماء مربين وسعتهم سيرته وكان لهم القدوة الكاملة.
وكما أنه في المحاضرة السابقة استطرد ليبعث على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ويستجلب التصديق، فههنا كذلك استطرد ليعمق الإيمان، فضرب الأمثلة على الانقلاب الهائل الذي حدث في حياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحوا أكمل الخلق في كل شيء، كما تحملوا في سبيل هذه الدعوة ما لا يتحمله إل أصحاب الدعوات الربانية، وذلك وحده علامة من علامات الرسالة.